إطلاق الموقع العربي

حديثٌ مغاير عن إيران إلى القارئ العربي

1

أُطلق الموقع الرسمي العربي الخاص بمحسن کدیور بحمد الله. تأسس الموقع (الفارسي) بعد مرور بضعة أشهرٍ على إطلاق سراحي من سجن إيفين في شهر تشرين الثاني من العام 2000. فيما أطلق الموقع الانجليزي المستقل في عام 2012. وقبل هذا العام كانت الصفحة الانجليزية على مدى عشر سنوات قِسماً فرعياً في الموقع الفارسي. وستُطلَق النسخة الجديدة للموقع الانجليزي في المستقبل القريب، إن شاء الله.

ومنذ تموز 2009 حُظِرَ في إيران موقع كديور، إلى جانب حظر كلّ آرائه ومنعها من النشر ورقياً والكترونياً، وذلك خلافاً للقانون، وطبقاً لأحكامٍ تفوق القانون النافذ. ومنذ ذلك التاريخ مُنعت إعادة طباعة كتبه ومقالاته ومقابلاته ومحاضراته السابقة، ومُنعت بطبيعة الحال إصداراته الجديدة في عالَم النشر الورقي والالكتروني الذي تسيطر عليه المجهورية الإسلامية. ومِما هو واضحٌ ومبرهن عليه فإن الأجواء العطرة! لنظام الجمهورية الإسلامية المقدّس تخلو تماماً من «الكاتب المحظور وممنوع القلم»، مثلما لا يوجد في هذا النظام المقدّس أيّ «سجين سياسي». فهذه حقائق ظاهرة كشمسِ النهار!

ومِن وسائل التواصل الاجتماعي فإن الانستغرام (منذ شباط 2016) يمثل التطبيق الوحيد الذي يتيح إمكانية التواصل مع المتابعين داخل إيران. إذ أن مواقع الفيس بُك والتلكرام (سوى فترةٍ قصيرة) وتويتر محجوبة كلياً، وإن موقعي الرسمي أيضاً ممهور بختم الحَجب منذ عشر سنوات. ولكن الجمهورية الإسلامية لم تنجح حتّى الآن في حذف واقصاء منتقدها المسالِم هذا، فالله أكبر. قد تبادر أذرع الجمهورية الإسلامية في بعض الدول العربية إلى حجب الموقع العربي! ولكن سياسة الحجب والاقصاء التي تعتمدها الجمهورية الإسلامية قد نقلت ثقل أعمالي إلى انتشارها في كتبٍ ورقية وباللغتَين الانجليزية والعربية. ولحسن الحظ ستصدر مؤلفاتي بهاتَين اللغتَين قريباً. فالعدوّ يتسبب بفعلِ الخير إذا شاء الله!

ومِن الواضح أن نشاط الموقع العربي (مثل الموقع الانجليزي) سوف لا يكون كنشاط الموقع الفارسي. ولكن ستُبذَل الجهود بقدر المستطاع لنشر الكتابات المهمّة بثلاث لغات. وإن الجهود التطوّعية للتعاون في هذا لمجال (الترجمة للعربيةِ وللانجليزية) مرحَّب بها.

2

يتيح هذا الموقع العربي للمواطنين الإيرانيين العرب، ولا سيّما للعرب غير الإيرانيين مِن الشيعة والسنة والأديان الأخرى مساحة مناسبة ليتعرّفوا على خطابٍ مغاير عن الخطاب الرسمي المعتمد لدى الجمهورية الإسلامية. الخطاب الذي يؤمن بكامل التعاليم الإسلامية، وفي الوقت نفسه ينظر للتراث الإسلامي من وجهةِ نظرٍ نقديّة وتاريخية؛ وإلى جانب دعوته إلى وحدة المسلمين واحترام عقائد أهل السنة، يمتلك هويّة شيعية؛ ورغم اعتقاده بتقدّم رأي أهل بيت النبيّ (ص) على سائر الصحابة الكرام، فإن نظرته النقدية والتاريخية تشمل التراث الكلامي الشيعي أيضاً. الدوغمائية والغلو بحسب هذا الخطاب يمثلان العدوّان الرئيسان للفكر الديني والمذهبي، وإنه يتصدّى لهما بالجهد العلمي.

يؤمن هذا الخطاب بالشريعة التي يقدّمها «الاجتهاد في الأصول والمباني»، على أنّها المعايير والموازين العمليّة الخالدة للإسلام على صعيد المناسك والأخلاق والمعاملات الفقهية؛ ولكن قراءة فقهاء السَّلف بصفتها ضابطة لفهم الشريعة في العصر الراهن، أو اعتماد الأحكام الشرعية بمثابة القانون، فإنه يعدّها السّمّ المهلك في الفكر الإسلامي المعاصر. ويعارض رسمياً أيّ نوعٍ من أنواع «الحكومة الدينية» في العصر الراهن، ويعتقد بأن المعارف الإسلامية تنمو في المجتمع المفتوح والفضاء الحر وعبر التنافس السلمي مع سائر الأديان والمذاهب والمدارس الفكرية. إنّه يساند الحكومة العلمانية، ويعتقد بأن المسلمين، بما فيهم الشيعة، يتمكنون في ظلّ «المجتمع المدني» مِن ممارسة شعائرهم بحريّة كاملة مِن دون أن تكون لهم ميزة وحقّ خاص، ولا يحقّ لأيّ أحدٍ أن يتعرض لهم ويحدد طقوسهم، ما لَم يتعرّضوا بدورهم إلى حريّة الآخرين؛ والقانون هو من يحسم مسألة المجال العام. يعارض هذا الخطاب دكتاتورية الأغلبية، ويؤكّد ضرورة الحفاظ على الحقوق الأساسية لدى الجميع، لا سيما الأقليات الدينية والعرقية والقومية والجنسية. وتتمتع المرأة من دون أيّ تبعيضٍ بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل في كلّ المجالات: العدالة المساواتية وليس العدالة الاستحقاقية!

يدافع صاحب هذا الخطاب الإيراني عن السلامة الإقليمية واستقلال إيران، وينتقد نظام الجمهورية الإسلامية ونظرية «ولاية الفقيه». إن السبيل إلى خلاص إيران لا يكون في اتّباع الإمبريالية الأمريكية والرأسمالية الأوربية والصهيونية الإسرائيلية والأنظمة المغلقة في الصين أو روسيا. وإن موارد الشعب الإيراني يجب صرفها بإشراف نوّاب مجلس الشورى الإيراني بالدرجة الأساس في داخل البلد من أجل القضاء على الفقر وتأمين احتياجات المواطنين الإيرانيين ورفاهيتهم (من دون التمييز بين الشيعة والسنة وأهل الكتاب وغيرهم). وإذا تبقّى شيء من هذه الموارد فيمكن صرفها خارج إيران وبالإشراف المباشر من ممثلي الشعب الإيراني وبتصويتٍ منهم. وينبغي القول ومن دون أيّ مجاملة بأن حركة حماس الفلسطینية أو حزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي العراقي أو نظام بشار الأسد السوري أو الحوثيين اليمنيين لا يحققون قطعاً أدنى تقدّم للمواطنين الإيرانيين، (أصحاب بيت المال الإيراني الحقيقيون).

وليعلم القارئ العربي بأن كثيراً من الإيرانيين لا يرتضون المغامرات المكلفة والباهضة التي تخوضها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، ولا سيما في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وقبل كلّ ذلك يعارضون حضور الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة. وإنه من المخجل أن تكون بعض دول الشرق الأوسط قد سمحت للقوى المهيمنة الغربية أو الشرقية بتأسيس قواعد عسكرية على أراضيها. إن قتل المدنيين المضطهدين في اليمن من قبل النظام السعودي وحلفاؤه أمرٌ مرفوض تماماً. ولا يحدد مصير سوريا إلا الشعب السوري نفسه بالآليات الديمقراطية، ولا يحقّ لأيّ دولة أجنبية أخرى، بما فيها القوى المجاورة أو القوى العظمى في الشرق والغرب أن تتدخل في ذلك. ولا يمكن قمع الديمقراطية في داخل البلد وممارسة الحُكم بطريقة استبدادية مطلقة بحجّة مقارعة الصهيونية.

يعلم العرب غير الإيرانيين جيّداً بأن رموز الحِراك الأخضر في إيران عند تضامنهم مع الربيع العربي، قد فُرضَت عليهم الإقامة الجبرية في بيوتهم منذ شباط 2011 خلافاً للقانون ومن دون أن يخضعوا للمحاكمة. لقد جنحت سفينة الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن و…، وإن تونس هو البلد العربي الوحيد الذي أينعت زهور ربيعه، والجميع يترقبون بقلقٍ واشتياق حكم الشعب والقانون في هذا البلد. نحن سكّان العالم الثالث أو الدول النامية نشترك في المصير والآلام. فاللغة والعِرق والقومية لا تُعد فوارق كبيرة في طبيعة هذه المشاكل. مثلما هي المذاهب المختلفة والثقافات المتباينة عندنا، فهي لا تختلف كثيراً من الجانب الديني والثقافي.

ولمواجهة موجة الحداثة الجارفة وسبات الغفلة لدى المتشرعين والفقهاء والمتكلمين التقلديين، وللتعامل مع التخلف العلمي والتكنولوجي، والمجتمعات الثقافية والسياسية المغلقة من حيث مراعاة الضوابط الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولمعالجة الاقتصادات التابعة والضعيفة رغم توافر الموارد الطبيعية الغنيّة، وللتصدّي إلى القيادات الجاهلة والتابعة في الغالب وغير المكترثة بالمصالح القومية، نعمل على تعزيز التنمية الذاتية وترسيخ حكومة القانون والنظام الديمقراطي والعلماني، ونستثمر الموازين الأخلاقية والمعنوية القيّمة التي تزخر بها التعاليم الإسلامية. وفي هذا الطريق الخطير لا سبيل أمامنا سوى الإفادة من التجارب القيّمة لدى بعضنا الآخر.

أرحّب بمقترحات وانتقادات زوّار الموقع الكرام عن طريق البريد الالكتروني.

أربعينية الإمام الحسين (ع)

20 صفر 1441

19 تشرين الأول 2019