النصوص

إدانة اغتيال سلمان رشدي

إدانة اغتيال سلمان رشدي

أدينُ بشدّة الهجمةَ الداميةَ التي شُنَّت يوم أمس في نيويورك على مؤلّف رواية الآيات الشيطانية “سلمان رشدي”. لم تتضح بعد تفاصيل هذا العمل الشنيع، ويجب محاكمة المتورّط بهذه العملية على وفق القانون ومعاقبته. وبحسب التعاليم الإسلامية والقرآنية فإنَّ هذا الاغتيال مُدان، إذ أنَّ طريقة مواجهة الأفكار الخاطئة هو النقد العلمي وليس التصفية الجسدية.

في أدناه الترجمة العربية لجزء من مقدّمة الكتاب الانجليزي المعنوَن «تجديف المقدسات والردّة»:

«لا تقتصر مباحث هذا الكتاب على موضوع قتل رافق تقي وفقًا لفتوى الشیخ محمد فاضل لنكراني. بل تتعدى إلى غير ذلك وتشمل أحداثًا وأحكامًا مشابهة، منها قتل أحمد كسروي (و: 1890) بصورة شنيعة على يد حركة “فدائيان إسلام” في قصر العدالة وأثناء محاكمته، في 11 آذار/ مارس 1946، وكذلك اعدام المفكر والناشط السوداني محمود محمَّد طه (و: 1909) في 18 كانون الثاني/ يناير 1985، واغتيال الكاتب المصري فرج فودة (و: 1945) في 9 حزيران/ يونيو 1992، والفتاوى الشيعية والسنية ضد الكاتب سلمان رشدي (و: 1947) (منها فتوى السيّد الخميني في 18 شباط/ فبراير 1989)، وكذلك ما حصل بشأن المفكّر والباحث المصري المتخصص في الدراسات القرآنية نصر حامد أبو زيد (1943-2010). إنَّ المحكمة الشرعية أعلنت عن الأخير بأنّه مرتدّ، ولكنّها لم تطبّق بشأنه العقوبة التقليدية. للأسف لا تقتصر أزمة الردّة في عالمنا المعاصر على هذه الموارد الستة.

إن الطريقة الصحيحة في الرد على الإهانة والتطاول (سواء أكان بوساطة كتاب أو مقال أو فيلم أو أغنية)، هو النقد العلمي والسعي في تقديم نتاج ثقافي رصين. وإذا حصل تطاول حقيقي لاعتقادات فئة من المتدينين، فيجب معالجة الموقف من خلال رفع الشكوى إلى محكمة صالحة لمتابعة القضية. وفي كل الأحوال لا يمكن هدر دم أحد والحكم عليه بالإعدام غيابيًّا من دون أن يملك حق الدفاع عن نفسه.

إنَّ الصورة الشنيعة لمقتل كسروي، والإعدام التراجيدي لطه، واغتيال فودة لم تؤدِّ إلى محو أفكارهم، وفتوى قتل سلمان رشدي أدت إلى اشتهاره دوليًّا، وفي الوقت نفسه أعطت انطباعًا عن الإسلام بأنه دين عنيف ومخالف للحرية الدينية. وإنَّ الحكم بارتداد نصر حامد أبو زيد لم يؤدّ إلا إلى مزيد من الإقبال على كتاباته وأفكاره. لذا يجب إدانة الفتاوى الدامية ضد كسروي ورافق تقي وسلمان رشدي على نحو علني، لكي لا نرى تكرار مثل هذه الفتاوى في المستقبل. فهي فتاوى لا طائل منها سوى وهن الإسلام، وتنبئ عن ضعف وعجز وعدم قدرة على الإجابة. وبالمقابل، فإنَّ إدانة مثل هذه الفتاوى والأحكام والاغتيالات لا تعني مطلقًا الدفاع عن الكتب والمقالات أو تبرير أعمال أشخاص كهؤلاء، إذ يجب مواجهة العقيدة الفاسدة بالنقد العلمي أو العمل بمقتضى القاعدة التي تفيد: “الباطل يموت بترك ذكره”، والإعراض عن لغوهم بعزة وكرامة، [عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوْا كِرَامًا﴾ (الفرقان: 72)].»

Mohsen Kadivar, Blasphemy and Apostasy in Islam: Debates on Shi’a Jurisprudence, Hamid Mavani (tr.), UK: Edinburg University Press, 2021, p. 88

ستصدر قريباً النسخة العربیة لهذا الكتاب: محسن کدیور. حَدّ الردّة وحريّة العقيدة. ترجمه عن الفارسية: حسن الصرّاف، ترجمة المقدمتَين الانجليزيتين: حسن داخل، محمد منير التاروتي. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ۲۰۲۲ (قید الطبع).

Recent Posts

الوقوف بالضدّ من عسكرة الحرم الجامعي وقمعه

نحن ندين عسكرة الجامعات وقمع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين، ونطالب بإنهاء «الإبادة الجماعية الإسرائيلية…

7 ساعات ago

“الإِلهُ الأخلاقيّ” وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن الكريم والكتاب المقدّس

إنَّ اللهَ تعالى، إِله القرآن، هو إلهٌ أخلاقيٌّ يقول أن إزهاق روح إنسان بريء واحد…

أسبوعين ago

حراك الجامعات الأمريكية لدعم فلسطين

نطالب بالإنهاء الفوري والدائم لِلحصار والإبادة الجماعية في غزة (والآن في شهرها السابع). والتي ترتكبها…

أسبوعين ago

حدّ الردّة وحرية العقيدة

بعد قتل الصحافي الأذريّ "رافق تقي" في عام 2011 عملاً بفتوى الفقيه محمَّد فاضل اللنكراني…

5 أشهر ago

ولاية الفقيه، نقد نظرية الحكم في الفكر السياسي الشيعي

يَجمعُ هذا الكتاب عشر مقالات بحثيّة حول نظرية ولاية الفقيه ومسألة الحُكم في ضوء الفقه…

5 أشهر ago

بيانٌ حول فلسطين

في الوقت الذي نعرب عن نفورنا لِقتل المدنيين، ندين ونشجب القصفَ الإسرائيلي العنيف لغزّة. إنّه…

6 أشهر ago