حدّ الردّة وحرية العقيدة

محسن كديوَر. حدّ الردّة وحرية العقيدة: نقد عقوبة الارتداد وسبّ النبي طبقًا لموازين الفقه الاستدلالي. ترجمه عن الفارسيّة: حسن الصرّاف. ترجمة المقدَّمتَين الإنجليزيتَين: حسن داخل کریم ومحمّد منير. الظعاین، قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2023. 464 صفحة.

مقدمة الناشر:

«بعد قتل الصحافي الأذريّ “رافق تقي” في عام 2011 عملاً بفتوى الفقيه محمَّد فاضل اللنكراني الذي أفتى بارتداده عن الدين، ردّ الفقيه والمفكّر الإيراني محسن كديوَر على هذه الفتوى وأدان الاغتيال، ودوَّن رسالةً مفصّلة في نفي حكم الردّة في ضوء المنهج الاستدلالي والأدلة القرآنية والروائية. وكتب مقدّمةً مفصّلة عرض فيها تاريخ تطوّر حكم الردّة لدى الفقهاء والمفكرين المسلمين. يتضمّن هذا الكتاب هذه النصوص وآراء المؤلف في مسألة الردّة وحرية الاعتقاد.

أثار مفهوم  “الردة” الذي صيغ في المدونات الفقهية والحديثية الإسلامية التقليدية، نقاشًا واسعًا في العصر الحديث، إذ بدا أنه يتعارض مع قيم تطورت في العصر الحديث )وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والعقيدة والضمير(، وقُدّمت بأنها قيم “كونية”.

ومن ثم، لم تكن “الردة” مفهومًا إشكاليًا في البلدان الإسلامية في العصور القديمة، بقدر ما أصبحت كذلك في العصر الحديث، وغدت مسألةً يتقاطع فيها أكثر من تعارض؛ القديم/الحديث، الخصوصية/الكونية، الأنا المسلم/ الآخر الغربي. وكان يجري نقاش هذه المسألة من أكثر من موقع أو مجال؛ الموقع الفقهي أحدها، وهناك –أيضًا- الموقع الحقوقي، والقانوني، والسياسي، والسوسيولوجي، والتاريخي.

يناقش الأكاديمي والفقيه والناشط الإيراني، محسن كديور، في كتابه هذا، رؤيةً فقهية تحليلية نقدية لهذه المسألة، جامعًا آراء أهم الفقهاء المسلمين في الموضوع، من مختلف المذاهب الإسلامية فيها، وراصدًا أهم الخلافات بينهم في هذا الشأن، وواضعًا أفكارهم على مشرحة النقد، معتمدًا على علمِ أصول الفقه، وعلمِ الحديث درايةً، وهما علمان منهجيان أساسيان، من أهم العلوم الشرعية، ومما لا يستغني عنه مجتهد وفقيه.

يتناول المؤلف الأدلة التي يعتمدها القائلون بحدّ الردّة، ويناقشها واحدًا واحدًا، من حيث ثبوتها قبل كل شيء، ومن حيث دلالتها الشرعية، ويناقش قضايا أصولية مهمّة، باستيعاب وتفصيلٍ دقيقين، وتوسّع شامل، على طريقة الفقهاء والعلماء الشرعيين، ويجادل المعارضين مستعملاً طريقة الحجاج الأصولي، بكل ما تحويه من تقنيات معمولٍ بها عند أهل هذا الشأن، غير غائبٍ عن العصر وقضاياه، وتحوّلاته الكبيرة التي تقتضي اجتهادًا وبحثًا يليقان بهذه المشكلات والقضايا.

ومن هنا، كان هذا الكتاب من حيث القضايا التي يبحثها، ومن حيث الرؤى الفقهية التي يتطرق إليها، ومن حيث المنهج الذي ينتهجه، والأسلوب الذي يسير عليه، من الكتب الجديرة بالنظر والاهتمام، ولِما فيه من ثراء فكري، ونظر منقّب عن جميع جوانب القضية المبحوثة، بطريقة جديرةٍ بأن يطلع عليها القارئ العربي.

يقدّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للقراء هذا الكتاب، مترجَمًا عن اللغة الفارسية، اللغة التي كُتب فيها الكتابُ وصدر بالأصل، اضطلاعًا برسالته الفكرية في الأعمال الفكرية والأكاديمية البارزة، في مختلف التخصصات.

ختامًا، نشير إلى أن المركز العربي اختار أن يترجم متن الكتاب فقط، دون الملاحق الموجودة في النص الأصلي، والتي يمكن العودة إليها إما في الكتاب الأصلي، وإما في الموقع الرسمي للمؤلِّف.»

في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011  قُتِلَ الكاتب الأذربيجاني رافق تقي (1950-2011) في باكو بطعنات سكين وهو في الواحد والستين من عمره، وذلك امتثالاً لفتوى مرجع التقليد الإيراني المقيم في قم محمَّد فاضل اللنكراني (1931-2007) الذي أفتى بارتداده عن الدين. وعلى إثر ذلك أصدَرَ ابنُ المفتي المتوفى، محمَّد جواد فاضل لنكراني (و: 1962) -وهو أستاذ في حوزة قم العِلميّة وكان زميلاً دراسياً لي في مرحلة السطوح والمكاسب- بياناً أعرب فيه عن فرحه وارتياحه «للتعجيل بروح هذا الشخص الخبيث إلى الجحيم». وقد أحتججتُ في رسالةٍ مفتوحة على بيانه، وردَّ عليَّ برسالةٍ أخرى. ومِن ثمَّ ألّفتُ «رسالة نقد عقوبة المرتد وسابّ النبيّ» بالاستناد إلى موازين الاجتهاد في المباني والأصول، وذلك في شباط/ فبراير 2012، ونشرتُها في الشبكة المعلوماتية، ومنذ ذلك الحين لم يُمسَع منه ردٌّ آخر.

وبالنظر إلى أهمية هذه المسألة أعددتُ كتاباً تضمَّن كافة المستندات والوثائق والنصوص المرتبطة باتهام رافق تقي بالارتداد، سواء ما كان قد صدر عن اللنكراني الأب والابن، أو عن الآخرين الذين أدانوا حكم الردّة أو برروه، بالإضافة إلى انتقاداتي وكتابات الناقد الآخر الذي أشار إليه اللنكراني الابن في رسالته، فضلاً عن نصّ مقال رافق تقي الذي أدّى إلى صدور حكم الارتداد في حقّه، وكذلك مجموعة أخرى من مقالاته ومقابلاته، وذلك للتعرّف عليه بنحو أفضل. كلُّ ذلك شكَّل القسم الأول من كتاب حكم الردّة وسبّ النبيّ. أمّا القسم الثاني منه الذي جاء بعنوان “حرية التعبير وخطابات الكراهية” فقد تضمّن نصوصاً أخرى للمؤلف، إذ ترتبط بموضوعة الإسلام وحرية التعبير، والتي صدرت تباعاً في الفترة من شباط/ فبراير 2012 إلى شباط/ فبراير 2014.

وبالنظر إلى أنَّ المؤلّف محظور من نشر كتاباته في بلده إيران بنحوٍ مطلق فقد صدر كتابٌ الكترونيّ بالفارسية في الشبكة المعلوماتية وبالوصف الآتي: مجازات ارتداد و آزادی مذهب: نقد مجازات ارتداد و سبّ‌النبی با موازین فقه استدلالی؛ تیر ۱۳۹۳، ۴۰۶ صفحه. ومن جملة ما جاء في مقدّمته:

«يتوخى هذا الكتاب تحقيق أمرين؛ أولُهما: له طابع الإثبات والإيجاب، وثانيهما: له طابع النفي والسلب. يتمثل الجانب الإيجابي أولاً بالسعي إلى إثبات لحرية المعتقد بشكل خاص، ببيان أن حرية الخروج عن الدين والمعتقد (الخروج عن الإسلام واعتناق دين آخر أو عدم اعتناق أي دين)، هي مثل الحرية في اعتناق أي دين ابتداءً. وثانيًا إثبات حرية الإنكار النظري وعدم الالتزام العملي بأي أصل من أصول الإسلام أو فروعه، بما في ذلك ضروريات الدين أو أحكامه، ومن دون توجيه أي عقوبة دنيوية للشخص المنكر. أما الجانب السلبي فهو للأمور الآتية: أولاً: نفي كون المرتدّ وسابّ النبي مهدور الدم. ثانيًا: نفي أي عقوبة دنيوية للمرتدّ نفيًا مطلقًا. ثالثًا: نفي عقوبة الإعدام والعقوبات الشديدة الأخرى لسابّ النبي. إذ إن خطاب الكراهية المشتمل على السبّ وإهانة المقدسات والمعتقدات الدينية يمكن ملاحقته قضائيًّا عبر المحاكم الصالحة… يجب إدانة القتل الشنيع لكسروي ورافق تقي وفتوى قتل سلمان رشدي على نحو علني، لكي لا نرى تكرار مثل هذه الفتاوى في المستقبل».

وقد صدر تحريرٌ ثان لهذا الكتاب باللغة الانكليزية وبالوصف الآتي:

Kadivar, Mohsen. Blasphemy and Apostasy in Islam: Debates in Shi’a Jurisprudence. Hamid Mavani (tr.). Series in Translation: Modern Muslim Thinkers. U.K.: Edinburgh University Press in association with Aga Khan University Institute for the Study of Muslim Civilizations, 2021. 411+xviii pages.

الكفر والردّة في الإسلام: مناظرات في الفقه الشيعي، ترجمة حميد مواني، «سلسلة مفكّرون مسلمون معاصرون»، مؤسسة دراسات حضارات المسلمين في جامعة آقا خان، مطبعة جامعة أدنبرة، المملكة المتحدة، 2021.

من جملة ما ميّز الطبعة الانكليزية هي المقدّمة التحليلية التي كتبها المؤلف باللغة الانكليزية لهذا الكتاب، إذ تضمّنت ثلاثة أقسام وبالتفصيل الآتي:

القسم الأول: قراءة تحليلية لآراء المسلمين السنّة المعاصرين حول الحرية الدينية والردّة. عنى هذا القسم بدراسة آراء جميع المفكَرين المبرّزين من أهل السنة –وبحسب التسلسل الزمني- منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتّى الوقت الراهن، حيث خضعت الـمَلاحظ والنقاط المهمة والجديدة في هذه الآراء للدراسة والتحليل. وقد صُنّف المفكرون في هذا القسم ضمن ثلاث طبقات: «الاتجاه المحافظ» و«الاتجاه الإصلاحي» و«الاتجاه الإصلاحي التقدّمي»؛ وردت في الطبقة الأولى آراءَ المذاهب الفقهية الأربعة لدى أهل السنة إلى جانب آراء ابن عاشور ومحمّد الغزالي ويوسف القرضاوي. فيما ذُكر ضمن الطبقة الثانية تسعة من أهم علماء السنة وأخضعت آرائهم للتحليل الدقيق، وهم من أمثال محمَّد عبده ومحمود شلتوت وعبد المتعال الصعيدي وعبد الحميد متولي. وفي الطبقة الثالثة عُرِضَت آراء ستة من المفكرين التجديدين السنة، إذ كان أبرزهم محمَّد الطالبي ومحمَّد سعيد العشماوي وعبد المجيد الشرفي.

القسم الثاني: قراءة لآراء المفكّرين الشيعة المعاصرين حول الموضوع نفسه، أي الحرية الدينية والردّة. وقد صُنّف المفكرون في هذا القسم أيضاً على ثلاثة طبقات: «الاتجاه الشيعي المحافظ» و«الاتجاه شبه الإصلاحي» [أو المحافظون التجديديون] و«الاتجاه الإصلاحي» [أو التجديديون]. وفي معرض الحديث عن أصحاب الاتجاه الأول سُلطت الأضواء على مدخل موضوعة «الردة» في موسوعة الفقه الإسلامي على مذهب أهل البيت وإلى جانب آراء السيد الخميني. وفي قراءة آراء الطبقة الثانية تناولت الدراسة أربعة عشر كاتباً من الفقهاء والمفكرين الشيعة المعاصرين من أمثال محمد الخالصي ومحمود أيوب ومحمَّد مهدي شمس الدين والأستاذ المنتظري. وبالنسبة لآراء الأستاذ فقد تناولتها الدراسةُ بنحو أكثر تفصيلاً. وبالنسبة للفقهاء الجُدد والأصغر سناً فإن الدراسة وجدت آراءَ ستة منهم جديرة بالدراسة والتحليل. وبالنسبة للطبقة الثالثة عنت الدراسةُ بآراء ستة من المفكرين من أمثال مهدي بازركان وعلي كلزاده غفوري ومحمد جواد الموسوي الغروي. وفي نهاية كل مبحث عرضت الدراسة النتائج، مبرّزةً مجمَل الآراء المبتكرة حول الردة وحرية العقيدة. وفي سياق تأصيل قضايا الردّة أوضحت الدراسةُ النقاط والآراء الجديدة حول حرية الدين وحدّ الردّة، مبيّنةً وبنحو دقيق المفكّر السني أو الشيعي الأول الذي تبنّى الرأيَ الجديد، ومع ذكر التاريخ والدليل الذي استند إليه، والإحالة إلى الكتاب أو المقال الذي ورد فيه ذلك الرأي. ورغم أن هناك دراسات أخرى قسَّمت المفكرين السنة على طبقات وبهذا النحو، فإنَّ تقسيم المفكرين الشيعة لم يحصل قبل هذه الدراسة.

القسم الثالث: يعنى القسمُ الثالث من المقدمة بأفكار هذا الكتاب وأصولها وتكوّنها وميزاتها، ويتضمّن أربعة أقسام فرعية: «خلاصة الكتاب وعرض إجمالي لمحتواه»، و«تأملات المؤلف الأولى في مسألة الردّة»، و«التأمل في أفكار الكتاب»، و«قصّة تكوّن الكتاب». وبالنسبة للآراء المعروضة في الكتاب فقد قُسَمت على طائفتَين: أ. «الآراء التي سبق أن ناقشها مفكرون شيعة آخرون»، إذ استعرضها الكتاب ودرسها بنحو أعمق ومع مزيد من التفاصيل والجزئيات، ومع إعادة النظر في استدلالاتهم وذلك في إطار فقهي أكثر تنظيماً. ب.«الآراء التي تُعدّ مبتكرة ومن ثمار تحقيقات وبحوث المؤلف». وفي معرض الحديث عن الطائفة الأولى من هذه الآراء سُلطت الأضواء على أربعة مَلاحظ حولها، وفي دراسة الطائفة الثانية سُلطت الأضواء على ستة مَلاحظ تخصّ هذه الفئة من الآراء.

تُعد هذه الدراسة أوّل مناظرة قلمية ومكتوبة حول موضوعة الردّة بين فقيهَين شيعيين، أحدهما من التيار المحافظ والآخر من التيار التجديدي. وبعبارةٍ أخرى ينطوي هذا الكتاب على مناظرة بين منهجَين في الاجتهاد: الاجتهاد التقليدي في الفروع الفقهية، والاجتهاد البنائي في المباني والأصول. وفي هذا الكتاب يمكن عقد مقارنة بين الاستدلالات والأدلة التي عرضها الطرفان حول تبنّي إعدام المرتد ومعاقبة سابّ النبي أو دحض هذا الحكم. كما يُعدّ هذا الكتاب معادلاً للمناظرة القلمية الأخرى التي جرت في مصر في عام 1955 بين عبد المتعال الصعيدي (1894-1966) وعيسى منون (1889-1957)، والتي وردت في كتاب الحرية الدينية في الإسلام. لقد كان كلا هؤلاء من علماء الأزهر، الأول عالم تجديدي، والآخر فقيه تقليدي محافظ. وبعد نحو ستة عقود أجرى مجتهدان من حوزة قم العلمية، (محمد جواد فاضل اللنكراني الابن، ومؤلف الكتاب) مناظرةً قلمية حول الموضوع نفسه. وعلى الرغم من أنَّ مجلة الأزهر رفضت نشر ردود الصعيدي على منون فإنَّ الصعيدي نشر هذه المباحثات والمناظرات في القاهرة ضمن كتاب مستقل.

وبالنسبة للمناظرة الراهنة فإنَّ “اللنكراني الابن” لم يواجه عائقاً في طباعة ونشر آراءه (سواء بصورة ورقية أو الكترونية). أمّا المؤلف فإنّه محظور من النشر منذ عام 2009، إلى جانب حظره مطلقاً من النشر الورقي، وحَجب مدونته الشخصية في الشبكة المعلوماتية في بلده. رغم ذلك فإنَّ الترجمة الانكليزية للكتاب صدرت في المملكة المتحدة، وبعد ذلك صدرت ترجمته العربية في قطر، في الوقت الذي يُمنَع نشر نصّه الأصلي (الفارسي) في إيران!

وبالنسبة للترجمة العربية فإنّها كالترجمة الانكليزية مطابقة للتحرير الثاني للكتاب، إذ تمت الترجمة العربية عن الأصل الفارسي مباشرةً، (168-424)؛ أمّا المقدّمة التحليلية التي كتبها المؤلف بالإنكليزية للتحرير الثاني وفي 112 صفحة، فإنّها تُرجمَت للعربية عن الأصل الانكليزي، وإنَّ كافة المصادر العربية الواردة في هذه المقدمة تمت مطابقتها مع النص الأصلي (ص 11-123). وبالنسبة لِلمقدمة الثانية المعنونة «مدخل نحو إلغاء حدّ الردّة في الإسلام» فإنّها تنطوي على تقرير متكامل لمادة الكتاب وفي إطار مقال مستقل، وقد تُرجمَت للعربية هي الأخرى عن الأصل الإنكليزي، ولتكون من مميزات النسخة العربية لهذا الكتاب، لعدم إدراجها في النسخة الإنكليزية. (ص 125-165). فضلاً عن ذلك فإنَّ الترجمة العربية تضمّنت ملحقاً للصور بحسب النسخة الفارسية الأولى (ص 425-434)، وهذا ما لا نجده في الترجمة الانكليزية. وبالنسبة لقائمة المصادر العربية والفارسية والانكليزية فإنّها منظَّمة ومبوّبة بنحو دقيق (435-449). وفي نهاية الكتاب هنالك فهرس عام يساعد القارئ للعثور على موضوعات الكتاب المتنوعة والمختلفة. (451-464).

الطبعة الأنيقة والتوزيع الواسع للكتاب الراهن في العالَم العربي يعوضان عن التأخير الكبير الذي حصل في صدوره.