تحليل الفكر السياسي الشيعي*
تحتوي هذه الورقة على مقدمة وثلاثة أقسام وخاتمة: الإمامة وهي العنصر المذهبي الأول في الفكر السياسي الشيعي، والعدل وهو العنصر الثاني في الفكر السياسي الشيعي، والفكر السياسي الشيعي بعد حضور الأئمة، وخاتمة حول الملاحظات النهائية على الفكر السياسي الشيعي.
مقدمة
سمعت مرارًا وتكرارًا أستاذي حسين علي منتظري (1922-2009) وهو يروي عن أستاذه السيد حسين بروجردي (1875-1961)، أبرز مرجع شيعي في القرن العشرين، قائلًا: “الحديث والفقه الشيعي مثل الهامش (الحاشية) على الفقه والفتاوى السنيّة”[1]، المقصود أن معرفة الأحاديث والفتاوى السنية والسياق هو أمر ضروري للفقهاء الشيعة للحصول على فهم أفضل وصحيح لأحاديث أئمة الشيعة وفتاوى فقهاء الشيعة الأوائل.
هذه نقطة مهمة لفهم نصوص الأقليات الذين عاشوا لألف عام في ظل إدارة الأغلبية السنية. نتج عن هذا الوضع العام الفقه المقارن الذي تحدث عنه شيخ الطائفة الطوسي (995-1067) في كتابيْه المبسوط أو الخلاف، والعلامة الحلي (1250-1325) في كتابه تذكرة الفقهاء، ومؤخرا السید البروجردي وتلامذته مثل منتظري.
يمكن مشاهدة هذه النسبة والعلاقة بين الفكر السياسي الشيعي والفكر السياسي السني. هذا يعني أنه في استراتيجية الهامش، سلط علماء الشيعة الضوء على أفكارهم المذهبية وتوسعوا فيها ضمن تعليقاتهم على الفكر السياسي السني. الإمامة والعدل هما النقطتان المذهبيتان اللتان شكلا عقيدة المذهب الشيعي وكذلك الفلسفة السياسية له.
- الإمامة، العنصر المذهبي الأول في الفكر السياسي الشيعي
علی الرغم من وجود ثلاثة مذاهب للإسلام الشيعي: الجعفرية والزيدية والإسماعيلية،فإنّ الورقة تركز على المذهب الأول الذي يعبّر عن الأغلبية العظمى من المسلمين الشيعة. أسماء الجعفرية الأخرى هي الإمامیّة والإثنا عشريّة – أولئك الذين يؤمنون بإثني عشر إمامًا كأصول المذهب. ويعني ذلك أن الإمامة هي أحد العناصر المحورية أو العامل الأول والعنصر الأكثر أهمية في الإسلام الشيعي. نعلم أن الأزمة الأولى بعد وفاة الرسول عام 632 وانقسام الإسلام إلى فئتين سنية وشيعية تمثلت في من سيكون خلفًا للنبي محمد (ص).
إن القضية لها ثلاثة أبعاد على الأقل: تاريخية، لاهوتية، وسياسية. جاء أبو بكر بن أبي قحافة (573-634) والد زوجة النبي وصاحبه في الكهف (الآية 9:40) إلى السلطة كأول خليفة لرسول الله. هذا هو البعد التاريخي للقضية[2]. من المنظور اللاهوتي السني، لا فرق بين اللاهوتية والحدث التاريخي. لكن من المنظور الديني الشيعي، فإن علي بن أبي طالب (600-661)، صهر النبي وصاحبه، في ليلة المبيت (النوم في فراش الرسول) (الآية 2: 207)[3] كان الإمام الأول والخليفة الحقيقي للنبي. يشير الشيعة إلى بعض الآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية[4] لتعيين علي بن أبي طالب خليفةً له. ويقبل أهل السنة مناسبة نزول بعض هذه الآيات فی حقّ علي من جهة، وحديث “غدير خم” المتواتر من جهة أخرى حيث قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعاً: “من كنت مولاه فعلي مولاه”. الجميع بما فيهم أعظم الصحابة تعهدوا بالولاء لعلي، وأبو بكر وعمر بن الخطاب كانا أيضًا من أوائل الصحابة الذين هنؤوا علي[5].
ماذا يعني “المولى” في هذا الحديث المتواتر؟ قال السنة إنها تعني الناصر او الصدیق وقال الشيعة إنها تعني الأَوْلی بالتصرف آو الإمام. كلاهما صحيح نظريًا. بحسب اللاهوت السني، لم يعيِّن النبي أحدًا خلفًا له ولم يصدر أي وصية في هذا الصدد. وهو ما انتقده الشيعة من أن إعلان النصرة او المُحبیّة وأخذ البيعة عليها بدون معنى. في المقابل، يعتقد الشيعة أن الله قد عيّن علي خليفةً للنبي، وقد أعلن الرسول هذه الحقيقة للناس، بالإضافة إلى تعيينه وصيًا له[6]. إنّ الصراع اللاهوتي خارج نطاق هذه الورقة.
قبل الشروع في النقاش السياسي، هناك سؤال كبير: هل الخلافة السنيّة والإمامة الشيعيّة لهما نفس الفهم للخلافة السياسية للنبي، أم أن هذا الفهم له معنى مختلف لدی هاتين المذهبين؟ الجواب هو التأكيد من وجهة نظر السنة بينما هو النفي من وجهة نظر الشيعة. محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) يمثّل ثلاثة أبعاد أو جوانب على الأقل. أولًا هو نبي الله ورسوله. ثانيًا، هو الحاكم السياسي لشبه الجزيرة العربية في عصره. ثالثًا، كان صاحب الولاية التكوينية. بحسب اللاهوت السني، انتهى الجانب الثالث بموت الرسول. لذلك، فإن أي خلافة بعد الرسول تنحصر في الحكم السياسي دون أي شيء آخر.
من منظور التصوف الإسلامي، على الرغم من انتهاء الوحي الرسالي بموت الرسول، إلا أن الأنواع الأخرى من الوحي والإلهام، وكذلك الجانب الثالث للنبي، استمرت من خلال مشايخ الصوفية. أطلقوا على أنفسهم اسم خلفاء المعرفة النبوية الولایة المعنویة. تعزو جميع الطرق الصوفية بما في ذلك جميع الصوفيين السنة، باستثناء طريقة واحدة[7]، سلسلة خرقتهم إلى النبي من خلال علي بن أبي طالب. وهذا يعني أنه بالنسبة لجميع المتصوفة السنّة تقريبًا، علي هو ثاني ولي في الإسلام. التصوف يتجاوز الصراع السني-الشيعي.[8]
من وجهة نظر الشيعة، فإن الإمام هو خليفة الرسول بكل جوانبه ما عدا الوحي الرسالي. بكلمات أخرى، فإن الإمام هو خليفة النبي في هذه الجوانب: أولاً، هو خليفة رسول الله في التفسير الصحيح للقرآن والحديث النبوي. وبحسب هذا البعد، فإن الأئمة هم المصدر الثالث للإسلام (بعد القرآن والسنة النبوية). ثانيًا، يمكن للأئمة مثل النبي أن يكونوا الحكام السياسيين في عصرهم. ثالثًا، إن الأئمة هم أولياء الله وواجدون للولاية التكوينية.
مثل العلماء والصوفيين، فإن البعديْن الأول والثالث للإمامة هما مناصب موهوبة [ممنوحة] وليست منتخبة من قبل الشعب، وهي القضية التي لا تطرحها هذه الورقة البحثية. لكن ماذا عن الحكم السياسي للإمامة؟ هل كانت تعيينية أم منتخبة؟ تعتمد الإجابة على خلافة الرسول ونهج النبوة. لم يكن معظم رسل الله حكامًا سياسيين في عصرهم. كانت نبوة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعيينًا، لكن حكمه في المدينة كان منتخبًا، حيث جرت دعوته من قبل الأنصار وانتخب من قبل جميع المسلمين هناك، يجب انتخاب الأئمة كحكام سياسيين من قبل الشعب أيضًا، لأن هذا الدور [الحكم السياسي] مختلف عن كونه مصدرًا أصيلًا للمعرفة الاسلامیة والولایة التکوینیة.
عمليًا، لم يكن علي بن أبي طالب الحاكم السياسي في زمن الخلفاء الراشدين الثلاثة (632-656)، رغم أنه كان الإمام الشيعي (المصدر الثالث للمعرفة الدینیة والولاية التكوينية). وأصبح علي الحاكم السياسي (الخليفة لجميع المسلمين) لنحو خمس سنوات (656-661). تم انتخاب علي مباشرة من قبل عموم المسلمين في عصره، وهناك عدة أدلة على أن علي نفسه كان يؤمن بموافقة العموم (رضا الناس) كشرط ضروري للحكم الشرعي الذي يعني “الإمامة السياسية المُنتخبَة”.
عندما طُلب من علي أن يكون الخليفة، أجاب: “فإنّ بيعتي لا تكون خفِيًّا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين”[9]، واضعًا رضا المسلمين بعين الاعتبار، وجاعلًا الإمامة السياسية منبثقة عنها. في إحدى رسائله في نهج البلاغة قال بوضوح: “الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضى”[10]. هذا يعني أن الحكم هو منصب مُنتخَب. إنه متوافق مع الأجزاء الأخرى من نهج البلاغة[11] وعقيدة الشيعة أن علي، الذي انتُهِكَ حقه، اعتبر نفسه الخليفة الديني والسياسي للنبي.
سُئل علي قبل استشهاده: “يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إن فقدناك- وَلا نفقدك- فنبايع الْحَسَن؟ فَقَالَ: مَا آمركم وَلا أنهاكم، أنتم أبصر”[12]. هذا تأكيد آخر للإمامة السياسية المُنتخَبة. في وصيته لأبنیه الحسن والحسين، لم يذكر الإمام علي سوى نصيحة أخلاقية[13]. وفي وصيته للعامة، لم يُشِر لتعيين خليفة من بعده[14].
أصبح الإمام الحسن بن علي المجتبى (625-670)، الإمام الشيعي الثاني (661-670)، الحاكم السياسي لنحو ستة أشهر (661) بعد أن جرى انتخابه من قبل الشعب أيضًا. في رسالته إلى معاوية بن أبي سفيان (605-680)، عبّر الإمام الحسن بوضوح “ولانّي المسلمون الأمر بعده”[15] [أي بعد وفاة أبيه]. لم يكن جميع أئمة الشيعة الآخرين حكامًا سياسيين. من الناحية العملية، كان الأئمة الشيعة حكامًا سياسيين لمدة خمس سنوات فقط (656-661)، بينما مثلوا الجوانب الأخرى للإمامة (المصدر الثالث للمعرفة الإسلامية الأصيلة والولاية التكوينية) لحوالي قرنين ونصف (632-874: في بداية الغيبة الصغرى). هذا يعني أن الحكم السياسي لم يكن العنصر الأساسي للإمامة الشيعية، على الرغم من أن أئمة الشيعة -من وجهة نظر الشيعة- كانوا أكثر المرشحين أهليةً للحكم في زمانهم – وفعلیته وقعت برضا الشعب -، لكن ذلك لم يحدث.
لم يعترف علماء المسلمين حتی أوائل القرن العشرين بفصل الحكم السياسي كموقف إنساني اختياري لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن نبوته كموقع إلهي جری تعيينه فيه. شكّل كتاب الإسلام وأصول الحكم [16](1925) لعلي عبد الرازق (1888-1966) نقطة تحول في هذا الموضوع. في الإسلام الشيعي، كان هناك نفس وجهات النظر؛ لم يفصل التيار السائد عند أئمة الشيعة في أواخر القرن العشرين بين الحكم السياسي والقيادة الروحية (المصدر الثالث للمعرفة الإسلامیة والولاية التكوينية). لقد طرحتُ التوجه الشيعي الأول لفصل الحكم السياسي كموقف إنساني عن الجانبين الآخرين للأئمة الشيعة في مناقشتي “المذهب الشيعي والديمقراطية” الذي نُشر في تشرين الثاني/نوفمبر 2003[17].
من وجهة نظر الشيعة، تتبلور الإمامة السياسية في حكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. جری توثيق إدارته بالتفصيل في الكتب التاريخية وجُمعت خطبه ورسائله وبياناته القصيرة بشكل منفصل. یُعَدّ “نهج البلاغة” للشريف الرضي[18] أشهر مؤلفاته، منتقيًا أعمال الإمام علي بناءً على معيار فن البلاغة. بالإضافة لمسند أمير المؤمنين الإمام أبي الحسن علي بن أبي طالب علیه السلام الواقع في 27 مجلدًا[19]. إن قسمًا غنيًّا من هذين الكتابين هو ما نطلق عليه الفكر السياسي الشيعي أو الأخلاقيات السياسية الشيعية. الوثيقة الأكثر تفصيلاً هي الرسالة 53 من نهج البلاغة، أمر علي إلى مالك بن حارث الأشتر النّخعي (بتاريخ 659) لمّا ولّاه على مصر وأعمالها.
أقصد بالفكر السياسي الشيعي مبدأ العدل والإنصاف (بما في ذلك العدالة القضائية، والعدالة المالية)، والحقوق المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، والحق في عدم المبايعة، وسياسة المعارضة غير المسلحة [عزلاء]، وسياسة المعارضة المسلحة.
هذه هي أساسيات الإمامة السياسية في الإسلام الشيعي، وتعاليم عليّ بن أبی طالب هي جوهر المذهب الشيعي. إنّ أي نظرية أو ممارسة في الفقه واللاهوت والأخلاقيات وتفسير القرآن وتجميع الأحاديث وتعليقاتها والتصوف والفلسفة والسياسة تحت مسمى المذهب الشيعي تتعارض مع تعاليم الإمام علي غير مقبولة. من الواضح جدًّا أن تعاليم علي السياسية هي معايير الفكر السياسي الشيعي. إن سلطة علي بن أبی طالب في الإسلام الشيعي قريبة من سلطة القرآن والسنة النبوية في الإسلام لجميع المسلمين، بما فيهم الشيعة. وهذا هو المعنى الحقيقي للمصدر الثالث للمعرفة الإسلامية.
فكر علي بن أبی طالب السياسي
أحاول في هذا القسم أن أقدم سبعة أمثلة معظمها من نهج البلاغة في الفكر السياسي الرئيسي لعلي بن أبی طالب.
أ. الحقوق المتبادلة بين الحاكم والمحكوم: “الْحَقُّ أَوْسَعُ الأشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ، وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ، لاَيَجْرِي لأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ، وَلا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ لأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلا يَجْرِيَ عَلَيْهِ، لَكَانَ ذلِكَ خَالِصاً للهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ، وَلكِنَّهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ”[20]. ذكر علي تفاصيل هذه الحقوق المتبادلة في عصره في خطبة أخرى.[21] بدأت فلسفة علي السياسية بتعليم هذه الحقوق للناس. الفكر السياسي الشيعي هو موجهة نحو الحقوق.
ب- القابلیة للخطأ من الحاكم وحاجته إلى الرقابة والإرشاد العام: “لاَ تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ، لإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللهِ وَ إِلَيْكُمْ مِنَ الْبَقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا، وَفَرَائِضَ لا بُدَّ مِنْ إِمْضائِهَا، فَلاَ تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْـجَبَابِرَةُ، وَلا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلا تُخَالِطُونِي بِالْـمُصَانَعَةِ، وَلا تَظُنُّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ ٍ قِيلَ لِي، وَلا التِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْـحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ، فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَالةٍ بِحَقٍّ، أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلا آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي”[22]. هذه الخطبة هي دليل واضح جدًا على أن القيادة المؤقتة والحكم السياسي مناصب غير معصومة عن الخطأ، بغض النظر عن أن الحاكم هو النبي أو الإمام أو أي شخص آخر. هذا هو معيار الأخلاقيات السياسية في الإسلام الشيعي.
بعد إدانة عزل السلطة السياسية عن المحكوم، برر الإمام علي ذلك كدليل آخر على عدم معصومية الوالي عن الخطأ: “فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وَقِلَّةُ عِلْم بِالاْمُورِ، وَالاْحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دوُنَهُ… وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الاْمُورِ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ”[23].
ج- الإدارة المبنية على الرحمة والمغفرة لكل الناس دون أي تمييز ديني: “وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ”[24]. هذا هو أساس المساواة في حقوق الإنسان الدولية، ليس فقط للشيعة أو المسلمين أو أهل الكتاب أو الموحدين، ولكن للبشرية جمعاء، الإنسان كإنسان: “إن أنتم إلا بشر مثلنا”.
د. فيما يتعلق بالحقوق والعدالة والرأي العام ورضا الطبقة الوسطى والاهتمام بالطبقة الدنيا: “وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ …. وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلاْعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الاْمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ “.[25]. هناك أربع ركائز للإستراتيجية الشيعية السياسية: الحقوق والعدالة والرأي العام والطبقة الوسطى. الركن الخامس هو مصدر قلق خاص وخطة إضافية للطبقة الدنيا[26]. وروى أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في غير موطن: “لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع[27]“. هذا هو المبدأ الدائم لأي سياسة باسم الشيعة أو الإسلام.
هـ- حُرمة [قداسة] إبرام العهود وخاصة مع العدو. بعد التشجيع على الصلح[28]، يعبّر الإمام علي عن مبدأ آخر دائم للفكر السياسي الإسلامي: “وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوّ لَكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالاْمَانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ عزوجلّ شَيْءٌ النَّاسُ أَشدُّ عَلَيْهِ اجْتِماعاً، مَعَ تَفْرِيقِ أَهْوَائِهِمْ، وَتَشْتِيتِ آرَائِهِمْ، مِنَ تَعْظيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ”.[29].إن عقد الدولة مع الرعايا هو عهد آخر ضمن هذا المبدأ القيم، إذ إن العقد الاجتماعي هو أساس الدولة القومية (nation-state) الحديثة.
و- قدسية الحياة والحماية العالية لحياة الأبرياء: “إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَة، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِىءٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام”[30]. هذا هو أساس الأمن والأمان في أي مجتمع، وأحد مبادئ الفكر السياسي الشيعي.
ز- حرية التعبير عن الرأي ركنٌ أساسيّ في الفلسفة السياسية الشيعية: بعد أن توجه علي بن أبی طالب بنصيحة لأصحابه، قال رجل من الخوارج: ” قاتله الله، كافرًا ما أفقهه! فوثب القوم ليقتلوه. فقال (عليه السلام): “رُوَيْداً؛ إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ.”[31]. أحد الخوارج يتهم الحاكم بـ “الزندقة”، وعلي يرفض أي عقوبة لهذه الإهانة. كان هذا تصرفًا أعزلًا، ورد الفعل الصحيح للحاكم هو المغفرة أو الرد اللفظي. هذا هو أفضل دفاع عن حرية التعبير.
استشهد المؤرخون بمن لم يبايع الامام علي[32]، إذ لم يواجه أي منهم أي نوع من الصعوبات أثناء قيادته. لم يتم قطع رواتبهم من الأموال العامة، تمامًا مثل أي شخص آخر، وكلهم ماتوا لأسباب طبيعية. هذا جانب آخر من جوانب الحرية السياسية. إذا قارنّاها بسياسة الخلافة قبله وبعده، يمكننا أن نفهم أهمية هذا المبدأ السياسي.
- العدل، العنصر المذهبي الثاني في الفكر السياسي الشيعي
النقطة المذهبية الثانية كانت الأرضية المشتركة بين السنة المعتزلة الذين يسمون العدليّة. على الرغم من أن العدل يمثل مفهومًا دينيًا مقدسًا[33]، إلا أنه كان في نفس الوقت حجر الزاوية في الموضوعية الأخلاقية، وارتباطها بالفكر السياسي كان ضرورة وجود حاكم عادل ودولة عادلة. إذا كانت عدالة الله مفهومًا بديهيًّا، فإن عدالة الحكومات يمكن فهمها من خلال العقل البشري والفطرة السليمة أيضًا.
النتيجة الرئيسية لهذه النقطة المذهبية في السياسة هي ضمان الحق في الاحتجاج والثورة أو المعارضة المسلحة ضد حاكم ظالم/ فاسد. هذا الحق هو أحد ضروريات الفلسفة السياسية السابقة لشروط الحاكم. ويمكن تلخيص الأحاديث[34] والفتاوى السنية[35] هنا على النحو التالي: وجوب الطاعة والخضوع للحاكم، ولو كان ظالمًا وفاسقًا، ولا يجوز التمرد عليه. لا يتورط الحاكم في الفسق والظلم وانتهاك الحقوق، ولا يُعزل، ولا يجوز التمرد عليه أو الثورة ضده.
تعتمد الأدبيات الشيعية على هذا الحديث النبوي الذي رواه كلّ من السنة والشيعة: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”[36]. تضع السياسة الشيعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعين الاعتبار في مواجهة الحاكم الظالم وفق درجات مترتبة، أي: تغيير المنكر بالقلب ثم باللسان، وفي الدرجة الثالثة باليد (جسديًّا)، حتى يصل الأمر للثورة واستخدام السلاح. إن الحاكم الظالم مرفوض، وحكمه غير شرعي، والطاعة لأوامره الآثمة محرمة، ونصرته بأي حال من الأحوال حرام إلا في رفع الأذى عن المظلوم[37].
والمثال الرئيسي لهذا التعليم هو الإمام الحسين بن علي (626-680)، حفيد النبي والإمام الشيعي الثالث الملقب بسيد الشهداء. استشهد الحسين في مجزرة كربلاء في عاشوراء (العاشر من محرم 61 هـ) مع 72 فردًا من أهله وأصحابه. تعتبر مراسم الحداد على الإمام الحسين ورفاقه في محرم كل عام من أكثر الطقوس الشيعية شعبيةً. كان لاستشهاد الإمام الحسين أثر عميق على المجتمع الشيعي بشكل عام وعلى السياسة الشيعية بشكل خاص. لقد كانت مصدر إلهام لحركات المقاومة المختلفة والثورات عبر تاريخ الشيعة[38]. أذكر مقولتين مشهورتين للإمام الحسين يعرفهما كل مسلم شيعي، هذه هي العناصر الحية لتعاليمه التي يمكننا اعتبارها أيضًا أحد أساسيات الفلسفة السياسية في الإسلام الشيعي.
القول الأول هو رد فعله على نصيحة أخيه أبی القاسم محمد بن علی بن أبی طالب الحنفية (637-701): “يا أخي! والله! لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لما بايعت يزيد بن معاوية أبدًا… وأني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا مفسدًا، ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب”[39]. يشير قول الحسين إلى الحق في عدم المبايعة، وخاصة لحاكم ظالم، سعيًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتباع نهج الرسول (ص).
أوضح الإمام الحسين قصده برواية ما سمعه مباشرة من جده: “يا أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًّا لحرم الله ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقًّا على الله أن يدخله مدخله [النار]. وقد علمتم أن هؤلاء القوم [موالو الطاغیة] قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله”[40].
وفقًا للإمام الحسين، يجب أن يكون سعي كل مسلم هو اتباع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). تعتبر هذه الحكمة الذهبية واحدة من التعاليم الأساسية للإسلام الشيعي، لكن هذا الواجب الديني مشروط بالإمكانية والأثر، كما هو موصوف في الفقه الشيعي[41]، لكن للمجتمع السني وعلمائه قول آخر. لم يعتبر أبو حامد محمد الغزالي، أبرز علماء اللاهوت والفقه السني، أنه يجوز لعن يزيد بن معاوية (646-683) الخليفة الأموي الثاني، بسبب قتل الحسين، ولا يجوز أن تنسب إحدى الكبائر لمسلم دون التحقق![42] هاتان فلسفتان سياسيتان مختلفتان، إن فهم الفكر السياسي الشيعي مستحيل دون الأخذ بعين الاعتبار عقيدة العدالة وتبعاتها مثل الحق في الثورة ضد الحكام الظالمين، وهو ما تبلور في أقوال الحسين بن علي وتعاليمه. ليس هناك خلاف بين المجتمع الشيعي والعلماء حول هذه النقطة المحورية، وأستطيع القول بوضوح أن الفكر السياسي الشيعي من دون جوهر فكرة العدالة ومبادئ الحسين بن علي وتعاليمه لا معنى ولا أساس له.
- الفكر السياسي الشيعي بعد غیبة الأئمة[43]
تسمى هذه الفترة بالغيبة الكبرى وبدأت في عام 941. امتدت لأحد عشر قرنًا حتى الوقت الحاضر وكانت مليئة بالتنوع في النظرية السياسية. يمكن تصنيف مقاربات علماء الشيعة في السياسة إلى خمس مراحل.
المرحلة الأولى. النظرية غير السياسية لـ “ولاية الفقهاء”
قبل الصفويين (941-1501)، كان الشغل الشاغل للشيعة هو حماية هويتهم وانتظار خروج الإمام المهدي من الغيبة لنشر العدل في جميع أنحاء العالم. وباعتبار الشيعة أقلية مختلفة ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، فقد كانوا يتعرضون لضغط كبير من إدارات الحُكام السنة غير المتسامحين على الاطلاق. وضع الفقهاء الشيعة أول نظرية اجتماعية للشيعة في هذه القرون الستة للحفاظ على هويتهم باسم ولاية الفقهاء. من الواضح أن النظرية اقتصرت على مجالين من مجالات الشريعة: الفصل في المجتمع الشيعي وعلاقاته، بالإضافة لأمور الحسبيّة الضرورية اجتماعيًّا[44]. بكلمات أخرى، إن ولاية الفقهاء في الأمور الحسبيّة لم يكن لها أي معنى سياسي ولم تكن نظرية للدولة في هذه الفترة.
المرحلة الثانية. ولاية الفقهاء على الشرعیات والنيابة المَلَكية للسلطان الشيعي في العرفیات
شكلت الحقبة الصفوية (1501-1736) في إيران نقطة تحول في الفكر السياسي الشيعي. تغيرت عدة عوامل وكانت السلالة الحاكمة شيعية. تحول غالبية الإيرانيين من السنة إلى الشيعية في القرن السادس عشر، وأصبح الإسلام الشيعي دين الدولة في إيران منذ المملكة الصفوية. جاءت هذه السلالة الحاكمة إلى السلطة بقوة مسلحة وعينت الفقهاء الشيعة لوظائف دينية مختلفة. بسبب جودة الخدمات الدينية التي قدمها الملوك الصفويين، كان الفقهاء الشيعة يشككون في تصنيفهم على أنهم حكام ظالمون. حدث تحول جوهري من المثالية اليوتوبية التجريدية إلى نوع من البراغماتية السياسية. كانت النظرية السياسية السائدة في هذه الفترة هي ولاية الفقهاء في الشرعيات وملكية السلطان الشيعي (ذات الشوكة) في العرفيات. ورغم أن هذه النظرية طُبقت بالكامل ولم يرفضها الفقهاء، إلا أنها لم تذكر في كتب الفقه. كان المحدّث البارز في هذا العصر، محمد باقر المجلسي (1627-1699)، أول رجل دين شيعي طرح هذه النظرية في كتبه[45]. كانت هذه نظرية مزدوجة تقوم على فرضية فصل الدين عن السياسة، وكذلك التعايش والاحترام المتبادل. كانت سلطة السلاطين تفوق سلطة الفقهاء في هذا العصر.
المرحلة الثالثة: الولاية العامة للفقهاء والنيابة المَلَكية للسلطان الشيعي
تعبّر المرحلة الثالثة عن الفترة الممتدة ما بين سقوط الصفويين عام 1736 حتى الحركة الدستورية في أوائل القرن العشرين. الخلاصة الرئيسية من هذه الفترة هي ازدياد السلطة الاجتماعية “العملية” للفقهاء، ما يعني بالضرورة اتساع نطاق سلطتهم “نظريًا” أيضًا، أي الانتقال من الأمور الحسبيّة (الشؤون الضرورية اجتماعيًا) أو الشرعيات إلى “المجال العام”. في المرحلة الثالثة، تعتبر الولاية على الناس في المجال العام –نظريًا- هي واجبًا حصريًا للفقهاء، بحيث يمتلكون حق التدخل في شؤون الآخرين باعتباره أولوية دينية. كانت نظرية الولاية العامة للفقهاء في المجال العام هي السائدة في العصر القاجاري في القرن الثامن عشر، عندما زاد عدد الفقهاء الشيعة وتجاوزت صلاحياتهم سلطة السلاطين. كان الفقهاء هم من شرّعوا مَلَكيّة السلطان وأذنوا له بالجهاد[46]. بالإضافة إلى إدارة الشؤون الدينية، كانت إدارة الشؤون الدنيوية تتم بإذن وتحت إشراف الفقهاء. دافع كلٌ من أحمد النراقي (1771-1829) في كتابه عوائد الأيام [47]ومحمد حسن النجفي (1785-1849) في كتابه جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام[48] بقوة عن هذه النظرية. إن النظرية السياسية السائدة في هذه الفترة عمليًا هي “الولاية العامة للفقهاء والنيابة المَلَكيّة للسلطان الشيعي”، حيث تكون نيابة السلطان شكلية أكثر منها فعلية.
ومع ذلك، عارضَ الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (1800-1864)، أشهر تلاميذ النراقي والذي تستخدم مؤلفاته في الفقه والأصول ككتب للحوزات العلمية، تفسير أستاذه للولاية العامة للفقيه في الشؤون العامة، معتبرًا أن الأدلة المتاحة لا تدعم فكرة أن دورهم تجاوز إصدار الفتاوى والولاية القضائية وإدارة الشؤون الشرعية.[49]
المرحلة الرابعة: شرعيّة الحكومة الدستوريّة دون إذن الفقهاء
فرّقت المرحلة الرابعة، الدستورية الإيرانية 1891-1911، العلماء ما بين مؤيدين ومعارضين. من أشهر الفقهاء الذين رفضوا الدستورية على أنها أسلوب حكم غربي ومعادٍ للإسلام هو الشيخ فضل الله نوري (1843-1909) الذي كان يؤمن بولاية الفقيه في الشرعيات ومَلَكيّة السلطان في العرفيات. كان القادة الروحيون للحركة الدستورية هم المرجعيات الشيعية الإيرانية في النجف، ومن أشهرهم وأكثرهم نفوذًا الآخوند محمد كاظم الخراساني (1839-1911) الذي أُعتبٍر كتابه كفاية الأصول مرجعًا للمدارس الدينية الشيعية العلیا حتى الوقت الحاضر. كانت إحدى أفكاره المميزة استحالة “الدولة الإسلامية” في زمن الغَيْبة. ميز الخراساني بين الدولة الدستورية (المشروع) والدولة الدينية/ الإسلامية (المشروعة)، وأدان صراحةً الحكم المطلق للحكام غير المعصومين عن الخطأ باعتباره غير شرعي وغير إسلامي. بالنسبة للخراساني، فإن الشرط الأساسي لمشروعية الحكم هو العدل الذي يشكّل نتاج الوعي العام ومراقبة وتوزيع السلطة السياسية.
يقوم الفكر السياسي المُبتكَر للخراساني على الرفض المطلق لولاية الفقيه السياسية، انطلاقًا من ضرورة دفع الظلم وواجب الشرع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لم يؤمن الخراساني بأي “حق إضافي” للفقهاء في المُلك العام ولم يقبل أن يكون الفقهاء الحكّام السیاسیین للبلاد. كان يعتقد أن شرعية أي دور سياسي تشمل حكمًا محددًا زمنيًا لا يترأسه الفقهاء ولا يتطلب إذنهم. لا يوجد فرق قانوني بين الفقيه والشخص العادي في المجال العام (نهج المساواة). بكلمات أخرى، لا يشترط معرفة الفقه في إدارة البلاد وحكمها، لأن الفقه يختلف عن العلوم السياسية وشؤون الإدارة[50].
في أعماله اللاحقة والنهائية، روّج الخراساني وراجع فكرته حول أولوية الفقهاء في سياق الحسبية. ذكرت الفتاوى الشهيرة التي صدرت عنه وعن مرجعيتين شيعيتين أخريين في النجف: “باختصار، نعبّر عن الواجب الفعلي لجميع المسلمين بأن الشؤون الدنيوية والحسبية توكل إلى عقلاء المسلمين وثقاة المؤمنين في زمن الغَيْبة، وهو ما تبلور في فكرة البرلمان”[51]، حيث اعترف الخراساني بتمثيل المواطنين في البرلمان في شؤون الحسبية الموسعة بدلًا من الفقهاء.
كان محمد حسين النائيني (1860-1936)، مفكرًا مهمًا أيضًا في هذا العصر، وأحد أكثر زملاء الخراساني تميزًا. كتب النائيني أهم كتاب ينادي بالدستورية من وجهة نظر شيعية، اسمه “تنبيه الأمة وتنزیه الملّة“[52]، ليمثل مظهرًا من مظاهر المذهب الشيعي في الفلسفة السياسية والقانون الدستوري. شكّلت هذه الحجج القائمة على الشريعة مبادئ الفلسفة السياسية الحديثة، وتطرقت لأفكار مثل سواسية الجميع أمام القانون، والحرية السياسية، وشرعية أصوات الأغلبية، وحقوق الإنسان، وضرورة المساءلة العامة للدولة، وسيادة القانون ومسؤولية الدولة أمام المواطنين[53].
أثارت نظرية الخراساني إعجاب طلابه واستمروا على دربه. كان أبرزهم عبد الكريم الحائري اليزدي (1859-1937)، مؤسس الحوزة العلمية في مدينة قم، وأستاذ الخميني والعديد من المرجعيات الشيعية أصحاب الأفكار المميزة. يستحيل أن يكون الإمام (الصادق أو المهدي) قد عين الفقهاء في ولاية الناس في زمن الغيبة، وهم أنفسهم عجزوا عن تنفيذها في وجودهم. لم يرفض الحائري اليزدي ثلاثة أنواع من ولاية الفقهاء فحسب، بل رفض أيضًا فكرة أن الفقهاء قد جری تعيينهم للولاية القضائية من قبل الإمام السادس. على حد قوله، فليس على الفقهاء واجب إلا إصدار الفتاوى وتعليم أحكام الشريعة في الأمور الجائزة والمحرمة[54]. المرجعيات الشيعية الأخرى في هذه الفئة هم الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني (1878-1943)، والسيد محسن الحكيم (1889-1970).
المرحلة الخامسة. جمهورية إيران الإسلامية وما بعدها
كانت المرحلة الخامسة هي ولادة المذهب الشيعي السياسي وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979 وما تلاها. يُعرف الفكر السائد باسم “الإسلام السياسي”، أو فيما بعد، نشأت الإسلاموية في جميع الأراضي الإسلامية تقريبًا في حقبة ما بعد الاستعمار. شخصيات هذه الحركة في الإسلام السني هي أبو الأعلى المودودي (1903-1979)، مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان، وحسن البنا (1906-1949)، مؤسس الإخوان المسلمين، وسيد قطب (1906-1966) المنظر البارز للإخوان المسلمين في مصر.
بعد هزيمة الدستورية والحكم البهلوي في إيران، اتحدت السلطات الشيعية للاعتراض على قرار الشاه [كلمة فارسية تعني المَلِك] بإلغاء حكم الشريعة في تشرين الثاني/نوفمبر 1962. وكان من بينهم ثلاثة من أكثر طلاب الحائري يزدي تميزًا؛ هم السيد محمد كاظم شريعتمداري (1906-1986)، السيد محمد رضا كلبيكاني (1899-1993)، السيد روح الله الموسوي الخميني (1902-1989). روّج الخميني لاعتراضه العلني على دكتاتورية بهلوي وقانون الاستسلام الأمريكي [capitulation]، واعتقل ونفي إلى تركيا أولاً في تشرين الثاني/نوفمبر 1964 ثم إلى العراق لمدة أربعة عشر عامًا.
في أوائل السبعينيات ، بدأ شريعتمداري وكلبيكاني في قم والخميني في النجف بتعليم “ولاية الفقهاء”. لقد فعلوا ذلك بشكل منفصل ولكن في نفس الوقت. على عكس أستاذهم، أيدوا جميعًا الولاية العامة للفقهاء في المجال العام. كان علي شريعتي (1933-1977) والخميني أكثر الشخصيات تأثيراً في المذهب الشيعي السياسي في الستينيات والسبعينيات. عاد الخميني بنجاح إلى إيران في أوائل عام 1979 وأسس جمهورية إيران الإسلامية. كانت هناك ثلاث نقاط مُبتكرة في نظريته السياسية. أولاً، كان أول حاكم فقيه أو مَلِك فقيه (مقارنة بالملك الفيلسوف الأفلاطوني) في تاريخ المذهب الشيعي. كان النبي أو الإمام علي حكام عصرهم، وعليه يجب أن يكون الفقهاء حكامًا في زمن الغيبة باعتبارهم نوابًا أو خلفًا للإمام الغائب.
ثانيًا، وسّع الخميني الولاية العامة للفقهاء من الشأن العام إلى الولاية المطلقة. بعبارة أخرى، فإن سلطة الحاكم الفقيه لم تصبح مطابقة تمامًا لسلطة النبي والأئمة الاثني عشر فقط في حكمهم للمجال العام، بل لسلطة الله أيضًا[55]! وقد أوضح هذا المطلق فيما بعد قائلاً إن الأمر خارج عن أحكام الشريعة. وفقًا للخميني، تطلّب الحكم شرطين: معرفة الفقه بما في ذلك الوعي الزمني وتعقيد السياسة، وملکة العدالة النفسانیة.
ثالثًا ، كان الخميني أول سلطة شيعية دمجت مصلحة الإسلام أو النظام السياسي في الفقه. كان الاعتراف بمنفعة النظام السياسي هو الخطوة الأولى في علمنة الفقه الشيعي من قبل مؤسس الحكم الثيوقراطي.
يمكن تسمية النظرية السياسية النهائية للخميني بالجمهورية الإسلامية بولاية مطلقة للحاكم الفقيه. على الرغم من أن الحاكم الفقيه ملزم بمراعاة المصلحة العامة (والقائم بتمييز النفعية أو المصلحة هو نفسه)، إلا أنه غير مقيد بالشريعة الإسلامية (أحكام الشريعة الأولية والثانوية). يستطيع الفقيه أن يصدر أمرًا حكوميًا يُصنف أيضًا على أنه قانون إسلامي (حكم الشريعة). من الممكن مقارنة نظرية الخميني مع كتاب اللفیاثان (1651) لتوماس هوبز. لقد وصفتُ في مكان آخر “تحول الجمهورية الإسلامية” إلى دولة إيران الإسلامية”[56].
لم تكن نظرية آية الله الخميني السياسية أقلية مطلقة في تاريخ الفقه الشيعي فقط، ولكن أيضًا في الفقه الشيعي المعاصر. أذكر نظريات اثنين من طلابه المتميزين. أولاً، وافق أستاذی حسين علی المنتظري[57] في نظريته السياسية النهائية على مبدأ فصل السلطات بدلاً من تمركز السلطات في الحاكم الفقيه، وعلى انتخاب الحاكم بدلًا من تعيينه، وعلى سلطة الدولة المحدودة في الدستور المعمول به بدلًا من الولاية المطلقة، مؤكدًا ضرورة الإشراف على الفقهاء الأبرز كجزء من تشريع البرلمان، ورافضًا ولاية الفقيه السياسية. في نظرية منتظري النهائية، الدولة الإسلامية مقبولة فقط بموافقة المواطنين، وولاية الفقيه هي نموذج للحكم من بين النماذج الأخرى، لكنها ليست النموذج الوحيد[58].
ثانيًا، تحدث مهدي الحائري اليزدي (1923-1999)، الابن الأصغر لمؤسس مدرسة قم الدينية، على هذا النحو: المواطنون هم أصحاب المُلك لمُشاعة العام. الحكومات هي ممثلة هؤلاء المُلّاك المشتركين وسلطاتها محدودة بالدستور ومطالب موكليهم (المواطنين). يقوم فكر الحائري اليزدي على مبدأ المُلكية المُشاعة كأساس للشرعية، وعلى مبدأ الديمقراطية التمثيلية والاعتراف بالإدارة والقيادة السياسية كمعرفة علمانية[59]. يمكنكم قراءة النظريات السياسية الشيعية المعاصرة الأخرى في كتابي الأول نظريات الحكم في الفقه الشيعي: بحوث فی ولایة الفقیه.[60]
خاتمة: ملاحظات ختامية على الفكر السياسي الشيعي
لا يمكن إنكار تنوع الفكر السياسي لفقهاء الشيعة. إنه طيف واسع بين الولاية المطلقة للحاكم الفقيه – سلطة غير محدودة للحاكم الفقيه فوق أحكام الشريعة (الأولیة والثانوية) وفوق الدستور- والدولة الدستورية بدون إذن الفقيه (وبدون التسمية لدولة إسلامية مستحيلة في زمن الغيبة). الأولى هي نظرية آية الله الخميني مؤسس جمهورية إيران الإسلامية، والأخيرة هي نظرية الأخوند الخراساني الأب الروحي للثورة الدستورية. كلاهما كانا من المرجعيات الشيعية المعروفة. ما سبب هذا التنوع الواسع؟ هل تصميم النظرية السياسية جزء من (استنباط الأحكام الشرعية من القرآن والسنة مثل الأحكام الشرعیة الأخرى؟
هذه هي ملاحظاتي الأخيرة على الفكر السياسي الإسلامي بشكل عام وعلى الفكر السياسي الشيعي بشكل خاص[61]:
أ. إن توقع الأخلاقيات السياسية من التعاليم الإسلامية أو الشيعية هو توقع صحيح ومبرر.
ب. في دراسة مقارنة، تُعَد الأخلاقيات السياسية الإسلامية الشيعية أغنى الأخلاق السياسية. ومع ذلك، فإن تفعيل مضامينها يتطلب المزيد من الجهد العلمي.
ج- نظرًا للقيود الزمنية والمكانية المتأصلة في أنظمة الحكم القانونية والآليات والقرارات السياسية، فإن القانون الدستوري الديني أو العلوم السياسية الدينية مستحيلة وضارة. إن تعميم سياسات الإسلام المبكر كقواعد ثابتة وثابتة للشريعة الإسلامية أو العلوم السياسية الإسلامية هو نهج خاطئ تمامًا ويتعارض مع معايير علمية معينة.
د- بإنكار الشريعة الإسلامية أو العلوم السياسية الإسلامية، يتم إقصاء الإسلام السياسي، والسياسة الإسلامية، والنظام السياسي الإسلامي، والدولة الإسلامية، والفقه السياسي، والولاية السياسية للفقيه، والرقابة على الفقيه، والجمهورية الإسلامية. بالطبع، إذا كان المرء يقصد بالسياسة الإسلامية “مراعاة الأخلاقيات السياسية الإسلامية”، فهذا مقبول.
هـ- إنكار الإسلام السياسي وارتباطاته لا يعني بالضرورة السلم السیاسی والهدوء[62]، لأن إنكار الإسلام السياسي هو تحرير الإسلام من الاستغلال السياسي أو التسليح السياسي، وليس الترحيب بالتوسع السياسي. المسلمون أو المسلمون الشيعة، مثل غيرهم من الناس في “المجتمع المدني” ، فاعلون سياسيًّا بهويتهم الدينية.
و. المسلمون الملتزمون بالمعايير الإسلامية، وخاصة الأخلاق السياسية الإسلامية، لديهم نزعة أقوى لمحاربة الظلم، ورعایة العدل، والوفاء بالالتزامات والعقود الاجتماعية.
الحمد لله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ترجمة: أفنان أبو یحیی.
[1] مقابلة آية الله منتظري نجف آبادي، حسين علي، مباني وسبك آية الله بروجردي (مبادئ وأسلوب آية الله البروجردي)، حوزة، قم، المجلد 8، رقم 43-44، نيسان – أيار 1991، صفحة 942
[2] انظر أيوب، محمود. أزمة التاريخ الإسلامي: الدين والسياسة في الإسلام المبكر .
Ayoub, Mahmoud. The Crisis of Muslim History: Religion and Politics in Early Islam (Oxford: Oneworld, 2003).
[3] الحاكم النيسابوري، محمد بن عبدالله، المستدرك على الصحيحين (تحقیق مصطفى عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى). 3:5.
[4] انظر الطوسي، نصير الدين محمد بن محمد. تجريد العقائد. (تحقیق: محمد جواد الحسيني الجلالي. قم: مكتبة الإعلام الإسلامي، 1987)، القسم 5: الإمامة، صفحة 223-241. للتفسير السني، انظر الأصفهاني، شمس الدين محمود بن عبد الرحمن. تسديد القواعد في شرح تجريد العقائد. (تحقیق خالد بن حماد العدواني، الكويت: دار الضياء، 2012). 1065-1164؛ للتفسير الشيعي، انظر: العلامة الحلي، الحسن بن يوسف. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد. (تحقیق: حسن حسن زاده الآملي. قم: مؤسسة النشر الإسلامي، 2011). 495-538.
[5] انظر الأميني، عبد الحسين. موسوعة الغدير في الكتاب والسنة والأدب. (تحقیق. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي. قم: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامية، طبقاً لمذهب أهل البيت، 2009، 14 مجلداً.
[6] المظفر، محمد رضا. عقائد الامامية. (قم: مؤسسة أنصاريان، 2008). 66-67.
[7] النقشبندية في سلسلة تصاريح لاحقة.
[8] لمزيد من المعلومات، انظر تشيتك، وليام. الصوفية: دليل المبتدئين:
Chittick, William C. Sufism, A Beginner’s Guide, (Oneworld, 2008).
[9] الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، تاريخ الطبري. تحقیق محمد ابوالفضل ابراهیم. قاهرة: دار المعارف. الطبعة الثانیة. [بلاتاریخ]. 4:427
[10] الرضي، السيد محمد بن الحسن الموسوي الشريف، نهج البلاغة، تحقیق صبحي صالح (القاهرة وبيروت: دار الكتب المصرية ودار الكتاب اللبناني، 2004)، الرسالة 6، 367.
[11] الرضي. نهج البلاغة. الخطبة 97، صفحة 143؛ الخطبة 154، صفحة 215-216؛ الخطبة 173، صفحة 247-248؛ الخطبة 192، صفحة 300-301، الخطبة 3، صفحة 48-50.
[12] الطبري. تاريخ الرسل والملوك. 5: 146-147.
[13] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 31: وصيته للحسن 391-406. الرسالة 47: وصيته للحسنين. 421-422.
[14] “كان عليه السلام حجة الله من بعد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام على الأمة في الدين والإسلام والأمة”. المفيد، محمد بن محمد بن النعمان. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد. (قم: دار المفيد، 2010). 2:7.
[15] أبو الفرج الأصفهاني علي بن الحسين. مقاتل الطالبيين. (تحقیق السيد أحمد صقر، بيروت: مؤسسة الأعلمي، 2006). 66.
[16] عبد الرازق، علي. الإسلام وأصول الحكم. (تقديم: عمار علي حسن، القاهرة: دار الكتاب المصري، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 2012)..
[17] “تشیع و دموکراسی”، مناظرة بين حاتم قادري ومحسن كديور، صحيفة ياس نو اليومية، طهران، نوفمبر 2003، لاحقًا في كدیور، محسن، شریعت و سیاست: دین در عرصه عمومی (الشريعة والسياسة: الدين في المجال العام)، كتاب إلكتروني، 2009، 397-419.
[18] أفضل طبعات نهج البلاغة نشرها علماء السنة: محمد عبده وصبحي صالح.
[19] عطاردي، الخبوشاني عزيز الله. مسند الأئمة اهل البيت 70 مجلدا. مسند أمير المؤمنين الإمام أبي الحسن علي بن أبي طالب علیه السلام. 27 مجلدا. (طهران: عطارد، 2007).
[20] الرضي. نهج البلاغة. الخطبة 216، صفحة 332-333.
[21] الرضي. نهج البلاغة. الخطبة 34، صفحة 79.
[22] الرضي. نهج البلاغة. الخطبة 216، صفحة 335.
[23] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 53، صفحة 441.
[24] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 53، صفحة 427-428.
[25] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 53، صفحة 429.
[26] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 53، صفحة 438-439.
[27] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 53، صفحة 440.
[28] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 53، صفحة 442.
[29] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 53، صفحة 442-443.
[30] الرضي. نهج البلاغة. الرسالة 53، صفحة 443.
[31] الرضي. نهج البلاغة. حكمت 420، صفحة 550.
[32] المفيد، محمد بن محمد بن النعمان. النّصرة لسيّد العترة في حرب البصرة. موسوعة الشيخ المفيد. (قم: دار المفيد، 2010)، 1: 94-100.
[33] انظر حوراني، جورج. العقل والنقل في الأخلاقيات الإسلامية. (George E. Reason and Tradition in Islamic Ethics. Cambridge: Cambridge University Press, 2007)؛ والسبحاني، جعفر. بُحوث في الملل والنحل. المجلد 3. الجزء 7: المعتزلة. (قم: مؤسسة الإمام الصادق، 2006) صفحة 219-646.
[34] انظر مسلم بن الحجاج. صحيح مسلم (الرياض: دار الطيبة، 2006)، المجلد 3، كتاب الامارة، القسم 13: 1847، 12: 1846، 8: 1840، 17: 1855، 16: 1854، 13: 1848، 13: 1851؛ أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم. كتاب الخراج. (بيروت: دار المعرفة، 1979)، صفحة 10؛ أبو داود، سليمان بن الأشعث. سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب الغزو مع أئمة الجور. (دمشق: دار الرسالة العالمية، 2009).
[35] انظر الباقلاني، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل (تحقیق: أحمد حيدر، بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، 1987)، 478؛ أبو يعلى الفراء الحنبلي، الأحكام السلطانية (بيروت: دار الكتب العلمية، 2000)، 20. القدامة المقدسي، عبد الله بن أحمد، المغني (تحقیق عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو، الرياض: دار عالم الكتب، 1997). كتاب الجهاد، مسألة 1622، 13:14؛ ابن عبد ربه احمد بن محمد، العقد الفريد. (تحرير محمد قميحة، بيروت: دار الكتب العلمية ، 1983). 2:203. لمزيد من المصادر، انظر: الجصاص، أحمد بن علي. أحكام القرآن. (تحقیق: محمد الصادق قمحاوي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1992). 1:87؛ والماوردي، علي بن محمد. الأحكام السلطانية والولايات الدينية. (تحقیق أحمد جاد، القاهرة: دار الحديث، 2006)، 42.
[36] الرضي، نهج البلاغة، حكمت 165، 500؛ الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. (قم: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1994) ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الباب 11، حديث 7، 16: 15. وقريب منه في صحيح البخاري، المغازي 4340. صحيح المسلم، الامارة 18: 1839 و18: 1.
[37] المنتظري، حسين علي نجف آبادي، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية (قم: مكتب الإعلام الإسلامي، 1988)، 1: 594-595.
[38] انظر إلى أيوب، محمود. المعاناة التعويضية في الإسلام: دراسة الجوانب التعبدية لعاشوراء في الشيعة:
Ayoub, Mahmoud. Redemptive suffering in Islam: a study of the devotional aspects of Ashura in Twelver Shi’ism. (New York: Mouton Publishers, 1978).
[39] ابن أعثم الكوفي، أبو محمد أحمد، كتاب الفتوح. (تحقیق علي شيري، بيروت: دار الأضواء، 1991). 5: 2.
[40] الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، تاريخ الطبري. 7: 300؛ ابن الأثير، علي بن محمد. الكامل في التاريخ. (تحقیق أبو الفداء عبد الله بن القاضي، بيروت: دار الكتب العلمية، 1987). 3: 408).
[41] أبواب كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[42] الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد. إحياء علوم الدين، ربع المهلكات، كتاب آفات اللسان، (تحقیق عبد الرحيم بن حسين الحافظ العراقي، دار الكتاب العربي)، 9:19. لمزيد من التفسير السني حول هذه النقطة من منظر آخر، انظر ابن الجوزي، الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد. (تحقیق هيثم عبد السلام محمد، بيروت: دار الكتب العلمية، 2005). والتفتازاني سعد الدين. شرح المقاصد. (تحقیق عبد الرحمن عميرة ، قم: الشريف الرضي، 1988). 5:31.
[43] يمكن العثور على المعلومات الموسعة لهذا القسم في هذا المقال: كديور، محسن. “الإسلام والدولة من منظور شيعي” في: العلمانية من منظور مقارن- الدين عبر السياقات السياسية، تحقیق جوناثان لورانس:
Kadivar, Mohsen. “Islam and the State from a Shi’ite Perspective” in Secularism in Comparative Perspective — Religion across Political Contexts, edited by Jonathan Laurence, Berlin: Springer, 2022 (forthcoming).
[44] انظر الشيخ الطوسي محمد بن الحسن. النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى (بيروت: دار الكتاب العربي، 1980). 299-300.
[45] المجلسي، محمد باقر، عين الحياة، (تحقیق السيد مهدي الرجائي، قم، أنوار الهدى، 2003)، 2: 282 و290-291؛ وبحار الأنوار، (بيروت: دار إحياء التراث الإسلامية، 1983)، 52: 237-238، و243.
[46] على سبيل المثال، كاشف الغطاء، جعفر بن خضر(1743-1812) المقيم في النجف في رحلته إلى إيران أعطى فتح علي شاه ملك قاجار الإذن الرسمي لجهاد الكفار، وتعبئة الجنود، وجمع الضرائب والزكاة من الناس لتنظيم جيشه. أصدر فتوى للجهاد في الحرب الأولى بين إيران وروسيا (1803-1813). كاشف الغطاء جعفر بن خضر. كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء. (قم: بوستان كتاب، 2001)، 4: 333.
[47] النراقي، أحمد بن محمد مهدي. عوائد الايام. (بيروت، دار الهادي 2000) 2:93.
[48] النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام (قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 2012)، 22: 677.
[49] الأنصاري، مرتضى، المكاسب، (قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1999)، 3: 545-560.
[50] محسن كديور، “الفكر السياسي للخراساني” في مجموعة مقالات الأساس الفكري والاجتماعي لثورة الدستوریة الأیرانیة، ذکری آية الله محمد كاظم الخراساني، طهران، 29 ديسمبر 2003، اللجنة البحثية للاحتفال بمرور مأة عام على الثورة الدستورية، جامعة طهران، المحرر: عزارمة سنجاري ، طهران: معهد البحوث والتنمية الإنسانية 2004، ص 259-215. (اندیشه سیاسی آخوند خراسانی در مجموعه مقالات همایش بررسی مبنای فکری و اجتماعی مشروطیت ایران بزرگداشت آیتالله محمدکاظم خراسانی).
[51] كديور، محسن، فلسفة الخراساني السياسية: بيانات سياسية في أعمال أخوند ملا محمد كاظم الخراساني (سیاستنامه خراسانی: قطعات سیاسی در آثار آخوند ملامحمدکاظم خراسانی)، طهران، منشورات كویر، 2008، 215.
[52] النائيني، ميرزا محمد حسين الغروي. تنبيه الأمة وتنزیه الملّة (تقديم وشرح السيد محمود الطالقاني (طهران: شرکت سهامی انتشار ، 1954).
[53] كان النائيني يؤمن بولاية الفقيه في شؤون الحسبية والدولة الدستورية بإذن من الفقهاء. شرحت الفرق بين الخراساني والنائيني في مقالي عام 2004.
[54] محمد علي الأراکي، رسالة ولاية الفقيه، دروس عبد الكريم حائري يزدي، مقدمة وتحریر محسن كديور، موقع المحرر، شباط 2017.
[55] محسن كديور. “تلکم الأمور الأبعد! دائرة دائرة صلاحیات الولیّ الفقیه: هی نفس الصلاحیات الخاصة بالله تبارک وتعالی” فی کتاب ولاية الفقيه: نقد نظرية الحكم في الفكر السياسي الشيعي. ترجمة حسن الصراف. الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2021. صفحة 193-216.
[56] “تحول الجمهورية الإسلامية إلى دولة إيران الإسلامية “. المحاضرة السنوية للجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، 7 ديسمبر 2021، لندن.
Transformation of ‘Islamic Republic’ to ‘Islamic State of Iran’. 2021 Annual Lecture of British Society for Middle Eastern Studies (BRISMES).
[57] كان المتحدث باسم مجلس خبراء الدستور عام 1979 وانتخب كزعيم ثان للجمهورية الإسلامية من قبل مجلس الخبراء في يوليو/ تموز 1986. فَصَله الخميني بشكل غير قانوني قبل ثلاثة أشهر من وفاته. تم وضع منتظري تحت الإقامة الجبرية بعد أن انتقد هيمنة علماء الدين على الحكم في أكتوبر 1997.
[58] المنتظري نجف آبادي، حسين علي. نظام الحكم الديني وحقوق الإنسان. مراجعة وتحقیق صادق العبادی. طهران: سرائي، 2015.
[59] الحائري اليزدي، مهدي. حكمة وحكومة [حکمت و حکومت]. [لندن]، شادي، 1995.
[60] انظر كتابي نظريات الحكم في الفقه الشيعي: ولایة الفقیه. مع مقدمة رشا الأمير ولقمان سليم، بیروت: دارالجدید، 2000.
[61] هذا هو ملخص محاضرتي الفارسية حول “العلاقة بين الدين والسياسة: ما لا يجب أن نتوقعه من الإسلام في السياسة”، (3 كانون الثاني/يناير 2021).
[62] Political pacifism and quietism.
الحوزة والدولة، الإسلام الشيعي، أسئلة السلطة والمرأة واليجوبوليتك، إشراف وتقديم: د. محمد أبو رمان، تحرير: عبد الله محمَّد الطائي، (الأردن: مؤسسة فريدريش ايبرت، معهد السياسة والمجتمع، 2022)، ص 58-33.