خطأ أمريكا الجسيم في الحرب ضدّ إيران
A protester holds a sign in front of U.S. Marines in downtown Los Angeles on June 19th, 2025. Photo: Jon Putman/Anadolu via Getty Images
حربُ إسرائيل على إيران حربٌ غير مشروعة، وفقًا لجميع المعايير القانونية والأخلاقية الدولية. ووفقاً لجميع المواثيق القانونية للأمم المتحدة، غزت إسرائيل الأراضي الإيرانية، وقتلت مئات المدنيين، وألحقت أضراراً بالبنية التحتية الإيرانية. دفاع إيران عن أراضيها ضدّ العدوان الإسرائيلي دفاعٌ قانوني وأخلاقي.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية –ومنذ تأسيسها- لم تغزُ أي دولة. أما في المقابل، غزت إسرائيل –ومنذ تأسيسها- جميع جيرانها تقريباً، واحتلّت جزءاً من أراضيهم، وقتلت العديد من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، وآخر مثال على ذلك القتل الجماعي والتطهير العرقي والتعذيب بالتجويع في غزة. وقد أدانت محكمة العدل العليا في لاهاي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو مطلوب دولياً بوصفه «مجرم حرب».
ذريعة هذه الحرب غير المشروعة هي أن تخصيب اليورانيوم الإيراني قد وصل إلى مستوى يجعل إيران «قريبة» من امتلاك سلاح نووي. وما يدعم هذا الادّعاء عقدان من الرواية الملفّقة التي تُصوّر البرنامج النووي الإيراني على أنه «تهديد» وذلك من خلال تقارير مبالغ فيها، بل وكاذبة مضللة أحياناً، تهدف جميعها إلى تعزيز هيمنة إسرائيل في المنطقة. ومع ذلك، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية، وقد رفضت التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، ورفضت السماح لِلمفتشين الدوليين بزيارة منشآتها النووية، وأنها تنتهك القانون الدولي باستمرار ومن دون عقاب.
من الحجج الأخرى التي تلجأ إليها إسرائيل لشن هذه الحرب غير المشروعة تتمثّل في شعار القادة الإيرانيين «إزالة إسرائيل من الخارطة». لا يتناسب هذا الشعار مع القوة العسكرية الإيرانية، وإن هذا الشعار القابل للنقد أشبه ما يكون بأراجيز الحرب. ومن ثمَّ يحقّ لإسرائيل أن تردّ في المقابل بالشعارات والأراجيز، لكنّ الرد بالشعارات والأراجيز لا يتم بالقصف والعدوان والهجوم العسكري. أليس ثمّة تناسب قانوني وأخلاقي بين الجريمة والعقاب؟ من جهة أخرى، إذا كانت إسرائيل منزعجة من التهديدات الكلامية الصادرة عن جمهورية إيران الإسلامية، فسيكون لها الحقّ -أخلاقياً وقانونياً- في تهديد الدولة المهددة لفظيًا. أما بحسب معايير القانون الدولي واتفاقيات الأمم المتحدة والمعايير الأخلاقية، لا يحق لها استخدام هذا الذريعة لمهاجمة إيران عسكرياً، أو اغتيال علمائها النوويين وقادتها العسكريين، أو قتل المدنيين بذريعة قصف البنية التحتية الإيرانية. أليس هذا إرهاب دولة؟ هل من سلوك آخر انتهجته إسرائيل منذ تأسيسها سوى طريقة اغتيال معارضيها؟ مع نهج إسرائيل القسري البلطجي، ما الحاجة للأمم المتحدة والنظام القانوني الدولي؟! إنها تعامل كل دولة كيفما تشاء وتعاقب خصومها بالطريقة التي تراها مناسبة. هل يُسمى هذا حضارة؟ أم إحياء لِلهمجية الحديثة؟
من الحجج الأخرى التي تستخدمها إسرائيل لتبرير هذه الحرب غير المشروعة شعار «الدفاع عن النفس». هذا هو المبرر الذي تستخدمه إسرائيل لغزو جيرانها، ومهاجمة خصومها، وشنّ حرب غير مشروعة على إيران. لِكلّ فرد ولِكلّ دولة الحقّ في الدفاع عن النفس. لكنّ هذا الدفاع بحسب جميع الأنظمة القانونية مقيّد ومشروط باحترام حقوق الآخرين. أمّا إذا كان الدفاع عن النفس بانتهاك حقوق الآخرين وبشكل متكرر يُعدّ حقاً حصرياً للصهاينة وإسرائيل، فهذا لا يُقبَل إلا بافتراض واحد، وهو أن اليهود هم شعب الله المختار، وأن غير اليهود لا حقوق لهم. وقد تم نقد هذا الافتراض الصهيوني ليس فقط من قبل اليهود والمسيحيين التقدميين، بل نُقِدَ أيضاً من قبل دعاة الحرية والعدالة في جميع أنحاء الولايات المتحدة والعالم. إن هذه النظرة العنصرية لحق الدفاع عن النفس تتعارض بشكل مباشر مع المبدأ الأول للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن أهالي غزة وجنوب لبنان وإيران بشر ويتمتعون بحقوقهم الإنسانية تماماً وبنفس القدر الذي هم عليه الصهاينة اليهود والمسيحيين والمواطنين الإسرائيليين.

WASHINGTON, DC – (Photo by Alex Edelman/Getty Images)
جاء الرئيس دونالد ترامب في ولايته الثانية رافعاً شعار إنهاء الحروب القائمة سريعاً، وأنه «رئيس سلام» لا يريد جر أمريكا إلى حرب أخرى. وبشعار «أمريكا أولاً»، غيّر اقتصاد الولايات المتحدة وسياساتها الداخلية والخارجية في غضون أشهر قليلة. بيد أنّ ما نراه على أرض الواقع هو أن عدوان روسيا على أوكرانيا لم ينتهِ بعد. وحرب إسرائيل اللاإنسانية على شعب غزة لم تنتهِ فحسب، بل استخدمت إدارة ترامب الثانية حقّ النقض ضد قرار وقف إطلاق النار الفوري غير المشروط بين إسرائيل وحماس، والذي وافق عليه جميع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبطردها قوات الأمم المتحدة المعنية بتوزيع الغذاء، باتت متواطئة مع حكومة نتنياهو في القتل التدريجي لشعب غزة في طوابير توزيع الغذاء أو بسبب الجوع.
في البداية، لم ينضم الرئيس ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد نتنياهو للمشاركة في الحرب ضد إيران، على الأقل ظاهرياً. لقد شنت إسرائيل حربها على إيران في وقت كانت فيه الولايات المتحدة وإيران تتفاوضان، ووفقاً للطرفَي التفاوض، كانت المفاوضات تتقدّم بنجاح وإن كانت ببطء. ومع إعلان مجلس محافظي الوكالة الدولية لِلطاقة الذرية حول عدم وجود ما يشير إلى امتلاك إيران أسلحة نووية، شنّت إسرائيل حربها غير المشروعة على إيران، وبدأت مواقف الرئيس ترامب المشتتة والمتناقضة والمتذبذبة، إلى أن اتخذ مؤخراً موقفاً حربياً.
للأسف، نجح نتنياهو والاتجاه المحرّض على الحرب في البيت الأبيض في جرّ الرئيس ترامب إلى هذه الحرب غير المشروعة. هذه الحرب غير القانونية تتعارض مع الدستور الأمريكي، ووعود الرئيس ترامب الأولى، وتتعارض مع المصالح الوطنية للولايات المتحدة، وستُدخل الولايات المتحدة في حرب أشد تدميراً وإشكالية من الحروب الأمريكية في عهد الرئيس بوش الابن في العراق وأفغانستان. لقد احتل الرئيس بوش الابن العراق بمعلومات غير صحيحة حول كون (صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل)، مما أدى إلى خسائر بشرية فادحة بين المدنيين العراقيين والجنود الأمريكيين. ولمكن لاحقاً، اتضح أن المعلومات المُقدَّمة لِلرئيس آنذاك كانت خاطئة تماماً!
إن دخول الولايات المتحدة في حرب غير مشروعة مع إيران يستند إلى معلومات كاذبة مثل الفترة السابقة في عهد بوش الابن. لا تمتلك إيران أسلحة نووية، وقد أبلغت أجهزة الأمن الأمريكية الرئيس ترامب بأنه لا يوجد دليل على امتلاك إيران أسلحة نووية أو استعدادها لها، ولكن للأسف لم يكترث الرئيس بهذا التقرير الرسمي. أبدت إيران استعدادها للتحلي بالمرونة فيما يتعلق بالتخصيب في مفاوضات شفافة ونزيهة وقانونية مع الولايات المتحدة. وبالطبع، فإن خفض مستوى التخصيب إلى الصفر بالنسبة لِدولة تُعدّ من أعضاء في وكالة الطاقة الذرية وتعمل تحت إشرافها المستمر، وموقّعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وملتزمة بها، ليس مطلباً منطقياً ولا واقعياً.
إن لهجة الرئيس ترامب المُزدرية وغير المُحترمة تجاه رؤساء الدول الآخرين، بمن فيهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، أو مطالبته الجمهورية الإسلامية الإيرانية «بالاستسلام غير المشروط» أمرٌ مرفوضٌ لدى أيّ إيراني شريف ووطني. رغم أن الجمهورية الإسلامية أساءت معاملة شعبها بشدّة – وقد كنتُ ولا أزال من أشدّ منتقديها – إلا أنها في الحرب الأخيرة ليست المُذنب الرئيس، ولم تكن هي مَن بدأها. هذه اللهجة وهذا النهج من الرئيس ترامب يُلزمان كلّ إيراني وطني، حتّى الكثير من مُنتقدي الجمهورية الإسلامية، بالوقوف إلى جانب إيران دفاعاً عن سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها.
إن دخول الولايات المتحدة في حرب إسرائيل غير المشروعة ضد إيران يتعارض مع الشعار الرئيسي «أمريكا أولاً»، بل يؤدّي في الواقع إلى مرحلة «إسرائيل أولاً». هذا يعني أن الحرب المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة ضدّ إيران تتماشى مع خطة نتنياهو، وتخدم مصالحه الشخصية وحكومة إسرائيل الداعية للحرب، وأنّها تضرّ قطعاً الولايات المتحدة في المنطقة والعالم. في هذه الحرب غير المتكافئة، تستطيع الولايات المتحدة تدمير البنية التحتية والصناعات النووية والعسكرية الإيرانية، ولكن بأيّ ثمن باهظ؟ بالتأكيد لن تسكت إيران، وستهاجم قواعد أمريكية عديدة في المنطقة دفاعاً عن النفس، وستغلق مضيق هرمز، وستُلحق خسائر فادحة بالولايات المتحدة. سيتم إرسال العديد من التوابيت إلى الولايات المتحدة. وإذ يستذكر الشعب الأمريكي الغزو الأمريكي المدمر لِلعراق، فإن الرأي العام الأمريكي حساس للغاية تجاه هذه القضية. ومع بدء هذه الحرب غير المشروعة، لن يتحقق أبداً حلم الرئيس ترامب بالحصول على جائزة نوبل للسلام.
إن قيام إسرائيل والولايات المتحدة بإسقاط الجمهورية الإسلامية في حرب غير مشروعة، كما فعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في ليبيا، لن يكون في مصلحة الشعب الليبي ولا في مصلحة الغرب. كما أن إيران ليست ليبيا ولا سوريا ولا العراق. دخول الرئيس ترامب في هذه الحرب غير المشروعة سيشعل المنطقة. من المستبعد أن توافق الصين وروسيا ودول الخليج العربية على مثل هذه الحرب. الدولة الوحيدة التي سترحب بذلك هي إسرائيل، وربما بعض الدول الأوروبية.
خلال السبعين عاماً الماضية لم يُفضِ تغيير الأنظمة عبر الانقلابات أو الغزو العسكري الأمريكي إلى الديمقراطية أو حقوق الإنسان في أي بلد. لقد أطاحت الولايات المتحدة وبقيادة الرئيس أيزنهاور وبمساعدة رئيس الوزراء تشرشل، بالحكومة الشرعية والديمقراطية لرئيس الوزراء محمّد مصدّق في إيران عام ١٩٥٣، ونصّبت الدكتاتور محمد رضا شاه بهلوي في السلطة لربع قرن آخر. وكانت ثورة ١٩٧٩ واحتجاز السفارة الأمريكية في طهران رهائن بشكل غير قانوني من عواقب ذلك الحدث.
قد يكرر الرئيس ترامب أخطاء الرئيسين أيزنهاور وبوش، ويدخل التاريخ كأحد الرؤساء الأمريكيين الذين خاطروا بأرواح الأمريكيين من أجل العدوان الإسرائيلي، ويصبح أول رئيس أمريكي يشن هجوماً عسكرياً على إيران. ومن ثم ستعزز الولايات المتحدة، شأنها شأن إسرائيل، مكانتها في الشرق الأوسط كرمز لِلظلم وانعدام القانون والانحلال الأخلاقي، وانتهاك الكرامة والأخلاق والإنسانية.
آمل أن يكون ما سمعناه من الرئيس ترامب حتّى الآن حول هجوم عسكري على إيران والانحياز لإسرائيل مجرد خدعة، وألا يرتكب مثل هذا الخطأ الجسيم والباهظ. ثمّة نواب وأعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي يدركون العواقب الوخيمة لمثل هذا الهجوم. آمل ألا يرتكب مجلس الشيوخ الأمريكي ككل هذا الخطأ الفادح والجسيم، وأن تتحسن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة يوماً ما، مما يصب في مصلحة المنطقة والعالم وكلا الشعبَين.
نُشِرَ هذا المقال بداية باللغة الانكليزية لمخاطبة الرأي العام الأمريكي في 19 حزيران 2025، وباللغة الفارسية في 21 حزيران 2025.