التكفير والتشيّع

نظرة إجمالية في محاور آراء الشيعة الاثني عشرية حول ظاهرة التكفير العقيمة

يتضمّن هذا المقال مدخلاً وسبعة مَلاحِظ بوصفها هيكل البحث، ومِن ثمَّ الخاتمة والنتائج.[1]

المدخل

بعد تصريحات السيّد كمال الحيدري (و: 1956 في كربلاء) العالِم الشيعي المقيم في قم بآراءٍ مثيرةٍ للجدل أثناء حواره مع فضائية العراقية، حيث عرَّفَ الشيعةَ تكفيريين كأهل السنّة، أصبح موضوع التكفير في التشيّع محط اهتمام الرأي العام. العبارة المذكورة في هذه التصريحات كالآتي: «هذا أقوله بضرسٍ قاطع، وأقطع فيما أقول، لا يوجَد عالِمٌ شيعي اثنى عَشَريّ إلا ويحكم بكفرِ المسلمين [غير الشيعة] جميعاً باطناً. نعم، يختلفون ظاهراً أيضاً بحُكم الكفّار أم بحكم المسلمين؟ بعضهم يقول حتّى ظاهراً بحكم الكفّار كصاحب الحدائق [الناظرة] [الشيخ يوسف البحراني] الذي لا يعدّ غير الشيعة مسلمين ظاهراً. والبعض الآخر الذي هو الرأي مشهور لدى الشيعة، كالسيد الخوئي وغير السيد الخوئي، يقولون بأننا نُحكم [بالنسبة لغير الشيعة] بإسلامهم الظاهري، وإلا بحسب الباطن وبحسب الحشر الأخروي وبحسب البُعد الكلامي اتفقت كلمة علماء الشيعة على كفرهم.»[2]

أعقبت هذه التصريحات جملةٌ من ردود الأفعال (كالترحيب الاعلامي في الفضائيات وأجهزة الاعلام الوهابية والسلفيّة والسعودية)[3]، حتّى شهدنا ردوداً قامِعة وقابلة للتأنيب صدرت من مجموعة من رجال الدين في حوزة قم العلميّة (من قبيل جماعة العلماء والمدرسين في حوزة قم العلميّة في بيانها الصادر بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بتوقيع الشيخ محمّد يزدي رئيس المجلس الأعلى لجماعة العلماء والمدرسين في حوزة قم العلميّة)[4]، فبدلاً عن ممارسة النقد العِلمي، وهي الطريقة التي أوصى بها أهل البيت، حكموا بـ«انحراف القائل وفساد عقيدته وضلاله».

وقد سبق لجماعة العلماء والمدرّسين أيضاً أن أصدرت بهذا الأسلوب بيانات ضدّ السيّد كاظم الشريعتمداري بتاريخ (21 أبريل/ نيسان 1982)[5] وضدّ الشيخ يوسف صانعي[6] بتاريخ (2 يناير/ كانون الثاني 2010)[7]. بيد أنّ سيرة السيّد الحيدري لا تقتصر على خلوّها التام من السوابق السياسية السلبية، بل أنّه كان من المؤيدين والداعمين لمرجعية السيّد الخامنئي في سنة 1994[8]، وكانت تربطه علاقة طيّبة معه،[9] بالإضافة إلى أنّه أحد المدافعين عن نظرية ولاية الفقيه السياسية للسيد الخميني.[10]

ولكنّه رغم كلّ ذلك قد ابتعد في السنوات الأخيرة عن بعض الآراء الدينية الرسمية والسائدة وآراء الفقه التقليدي. العلامة الفارقة في آراء ومواقف السيّد الحيدري تتمثّل بهذه العبارة التي قالها في شهر رمضان لعام 2013 في برنامج تلفزيوني في قناة الكوثر (إحدى قنوات الجمهورية الإسلامية الناطقة بالعربية): «أنا أزعم بأنَّ كثيراً من التراث الروائي الشيعي قد وصلنا من أمثال كعب الأحبار واليهود والنصارى والمجوس!»[11] أعقبت هذا التصريح موجة من المواقف المؤيّدة والرافضة في القنوات الناطقة بالعربية قد أدَّت فيما بعد إلى إيقاف برامج الحيدري في التلفزيون العربي التابع لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران. يعبّر السيّد الحيدري عن حركته بأنّها تسعى إلى إصلاح الفهم الديني الشيعي ومن نوع «الاصلاحات اللوثرية»[12]، وسمّى حركته الإصلاحية بـ«العقلانية القرآنية» في مواجهة «العقلانية الروائية». يرى الحيدري بأنَّ العقلانية الروائية (أيْ اتّباع الروايات) تمثّل أفيوناً مناهضاً للعقلانية، وهي السبب في تخلّف المسلمين (السنّة والشيعة معاً)، ويرى الشيعةَ مصابين بالبحار (أيْ متأثرون ببحار الأنوار للمجلسي).[13]

إن آراء الحيدري المختلفة من قبيل جواز التعبّد بالأديان والمذاهب الإلهية والبشرية[14] ونظرية مشروعية تعدد القراءات للدين[15] ولزوم محورية القرآن بدلاً عن محورية الحديث[16]، أو لزوم إعادة النظر في الأحكام الفقهية الخاصة بالنساء[17]، لا تُعد آراء جديدة. بيد أنها مهمّة حين يكون التصريح بها من قبل مجتهد ومدرّس في حوزة قم العلميّة ومن أحد المراجع التقليد غير المتقدّمين في العُمر. وإن كان مدى تمحيصه هذه الأفكار والآراء في منظومته الفكرية موضِعَ تساؤل. إن آراء السيّد الحيدري حول التشيّع تُعد من صنفٍ آخر، وإنْ كان يضع في حسبانه أفكار التنويريين الشيعة، ولكنّه بحسب الظاهر لم تسنح له الفرصة حتّى الآن ليقوم بتحرير دعاويه وآرائه ليتاح المجال لدراستها وفحصها في ضوء الاستدلالات التي يعتمدها في هذه الآراء.

يعنى هذا المقال بتسليط الضَّوء على حواره الأخير وتصريحاته حول التكفير فقط.

يمكن عرض المحاور الرئيسة لآراء الشيعة الاثني عشرية حول ظاهرة التكفير العقيمة في سبعة مَلاحِظ، وكالآتي

الملحَظ الأول: نقد الاتجاه الاحتكاري في النجاة الأخروي

إن الأعم الأغلب من المؤمنين في الأديان الإبراهيمية إحتكاريون في مسألة الفلاح والسعادة الأخروية[18]، أي أنَّهم لا يرون نجاةً إلا لدينهم ومذهبهم، إذ يعدّون أتباعَ الأديان الأخرى وكذلك المذاهب الأخرى المشتركين معهم في الدين محرومين من النجاة الأخروي. على سبيل المثال يرى المسيحيون التقليديون بأنَّ النجاة الأخروي من دون الاعتقاد بعيسى المسيح بوصفه ابن الله أمراً مُمتنعاً، وإن آراء الكاثوليكيين والبروتستانتين الأصوليين (الذين استعملوا هذه المفردةَ لأوّل مرّة) حول بعضهم الآخَر غير إيجابية، وإن الحروب الدامية طوال القرنَين السادس عشر والسابع عشر الميلاديَين بين هذين المذهبين الكبيرَين في المسيحية تؤيّد ذلك. وهكذا الأمر بالنسبة للمسلمين التقليديين، إذ يرون الإيمان بالله وبنبيّ الإسلام شرطاً للفلاح الأخروي، ولا يُستبعَد أن يعدّوا الكفرَ بالإسلام سبباً للحرمان من النجاة الأخروي.

وهكذا نجد كثيراً من المسلمين السنّة لا يعدّون الشيعةَ من المسلمين! فعلى وفق استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) في عام 2012 في دولٍ عدّة في منطقة الشَّرق الأوسط، ثمّة نسبة غير قليلة من المسلمين من أهل السنّة لا يعدّون الشيعةَ بمسلمين.[19] ولذا نجد السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي (1873-1957م/ 1290-1377هـ) يقوم بدراسة نقدية لفتوى فقيه من القرن الحادي عشر الهجري، الشيخ نوح الحنفي حول «تكفير الشيعة ووجوب قتلهم».[20] وحتى قبل فتوى مفتي الأزهر الشيخ محمود شلتوت[21] (1893-1963م) كان المسلمون السنّة لا يعدّون الشيعة ضمن المذاهب الإسلامية الموجَّهة والتي يجوز التعبّد بها. وبالنسبة إلى موقف الوهابية ونظرتهم السيئة للشيعة فلا حاجة إلى وصفها.[22] إذن إن رأي بعض الشيعة في عَدّ المسلمين الآخرين كفّاراً في عالَم الآخرة لا يختلف عن الرأي السائد لدى الاحتكاريين في سائر الأديان أو لدى المسلمين السنّة. وبعبارةٍ أخرى لم يختصّ هذا الرأي ببعض الشيعة ليستدعي من السيّد حيدري إبرازه.

يرى كاتبُ هذه الأسطر بأنَّ التوجه الاحتكاري لمسألة الفلاح الأخروي غير قابل للدفاع. فعلى وفق التعاليم الإسلامية المُسلَّم بها ثمّة شرطان للفلاح الأخروي: «الإيمان بالله والعمل الصالح». وبعد توافر هذين الشرطَين اللازمَين يمكن القول بأرجحية اتّباع دين أو مذهبٍ ما، على أنّ هذا لا يتنافى مع توافرٍ نسبي لمسألتَي الكمال والفلاح في الأديان والمذاهب الأخرى. يُعبَّر عن هذا التوجّه بقبول تعددية الأديان على وفق نظرة شمولية.[23] لقد بحثتُ في مسألة الاحتكارية الدينية والدفاع عن الشمولية في مواضع أخرى.[24]

الملحَظ الثاني: التكفير الظاهري، أو الدنيوي، أو الفقهي أو الاصطلاحي في قبال التكفير الباطني، أو الأخروي أو الكلامي

ينبغي التمييز بين هذين المفهومَين. التكفير الباطني أو الأخروي أو الكلامي يعني الاعتقاد بحصر الفلاح والنجاة الأخروي بدين أو مذهب خاص، وبموجبه لا ينجو أتباع الأديان والمذاهب الأخرى ولن يكونوا من أهل النجاة في الآخرة. بعبارةٍ أخرى هذا النوع من التكفير يحيل الأمرَ إلى عالَم الآخرة، وليست له أيّ تمثلات ونتائج في هذه الدنيا. إن هذا المعنى يختلف مطلقاً عن التكفير بمفهومه المصطلَح.

المراد من التكفير الاصطلاحي هو التكفير الدنيوي (أو النسبة إلى الردة والزندقة وتجديف المقدّسات) بنحوٍ يؤدّي إلى سلب حقّ الحياة أو حق التملّك أو سلب كرامة الفرد المحكوم بالكفر. هذا النوع من الكفر يكون في «مقابل الإسلام»، إذ يكون الاتّصاف به معادلاً للخروج من الإسلام. يُعبَّر عن هذا النوع من التكفير بالتكفير الدنيوي أو التكفير الفقهي، وفي بعض المواضع من الفقه الشيعي يُعبَّر عنه بالكفر الظاهري، وذلك في مقابل الكفر الكلامي أو الكفر الأخروي الذي يكون في «مقابل الإيمان» ويُجمع مع الإسلام الدنيوي. على وفق هذه الرؤية الفرد الذي لا يشمله التكفير المصطلَح يُعد مسلماً ظاهراً وحُكماً، وإن كان إسلامه باطناً لا يُقبَل عند الله، أيْ في الآخرة ومن المنظور الكلامي.

وبصرف النظر عن وجود مثل هذه النظرة للآخرين لدى كل الأديان والمذاهب الاحتكارية، فإنّ السؤال المعروض بهذا الصدد يستفهم عن مدى إمكانية الدفاع عن مثل هذا التعبير؟ بمعنى آخر هل ثمّة ضمانات بشأن تحققها في عالم الآخرة وتحقق نتائج ملموسة لها في الدنيا؟ كلا! لأنَّ الحُكم الأخروي لله وحده. لقد أدلى المتكلمون واللاهوتيون في الأديان والمذاهب المختلفة بآراءهم حول هذا الأمر، ولكنّهم يقرّون بأنَّ الحُكم النهائي حول عواقب الأفراد بشأن الفلاح والعذاب يكون لله. وبالنظر إلى الأغلبية القاطعة لأصحاب النظرية الاحتكارية في الأديان الإبراهيمية فإن هذا الرأي الكلامي لم يفض إلى تكفير أتباع الديانات الأخرى ظاهرياً أو دنيوياً أو فقهياً، لأنَّه في حقيقة الأمر ليس ثمّة تلازم بين الكفر الكلامي (الباطني أو الأخروي) والكفر الفقهي (الدنيوي أو الظاهري). فضلاً عن ذلك فإنَّ الفقه هو علم «الأحكام الظاهرية» وليس «الأحكام الواقعية» (المدرجة في اللوح المحفوظ الإلهي) التي لا يلمّ بها عِلمُنا. إذا كان ثمّة فقهاء يسمحون لأنفسهم بأن يصرّحوا بالكفر الأخروي أو الباطني لسائر المسلمين وأن يقسّموا الإسلام على الظاهري والواقعي، فإنَّهم يقومون بعملٍ لا يمكن الدفاع عنه. إن حدود عمل الفقيه لا تتجاوز الأحكام الظاهرية، سواء أكان يصرّح بذلك أو لا يصرّح. إن الكفر الكلامي أو الباطني لا يُستَنتَج منه الكفر الفقهي أو الظاهري أو التكفير المصطلح، فاستنتاج الكفر المصطلح (أو الكفر الظاهري أو الدنيوي أو الفقهي) من الكفر الباطني والكلامي يمثّل مغالطةً فظيعة.[25]

الملحَظ الثالث: كان الإخباريون الشيعة تكفيريين

يمكن تقسيم رأي الشيعة الاثني عشرية حول غيرهم من المسلمين على رأي الإخباريين ورأي الأصوليين. إن الشيعة الإخباريين (الذين ينتمون غالباً إلى القرنَين الحادي عشر والثاني عشر الهجريَين) يكفّرون غيرهم من المسلمين، وإنّه تكفير لا يقتصر على المسلمين السنّة، بل يشمل سائر فِرَق الشيعة. إنَّ كلاً من محمّد باقر المجلسي (1037-1110هـ) المحدّث المعروف في العهد الصَّفويّ في كتابه بحار الأنوار، والشيخ يوسف البحراني (1107-1186هـ) فقيه الفترة ذاتها في كتابه الحدائق الناضرة، يمثّلان الإخباريين الذين حصروا الإسلام بالتشيّع الاثني عشري، وبالتالي عدّوا سائر المسلمين كفّاراً فقهيين. يُعمم المجلسي عنوان الناصبي على كلّ مخالفي الاثني عشرية (أي سائر المسلمين، سواء أكانوا من أهل السنة أو سائر فِرَق الشيعة)، فهو يرى بأنَّ «الناصب في عرف الأخبار يشمل المخالفين المتعصبين في مذهبهم، فغير النصاب هم المستضعفون.»[26]

والبحراني أيضاً يجري حكم الناصبي على غير المستضعفين من أتباع كلّ المذاهب والفِرَق غير الشيعية الاثني عشرية، وبالتالي يعدّهم أنجاساً وكفّاراً. يرى هذا الفقيه الإخباري بأنَّ مجرّد قيام الفرد بتقديم الخلفاء على أمير المؤمنين [علي بن أبي طالب] -وإن كان هذا الفرد ينطق الشهادتَين- أو عدم إقراره بإمامة أحد الأئمة، عندها يتحقق جحده وبالتالي يكون ناصبياً. يجري البحرانيُّ هذا الحكم المضيق على الشيعة الزيدية والواقفية والفطحية وغيرهم من أتباع المذاهب الشيعية.[27] إن هذا الاعتقاد الاحتكاري المُتشدد لدى الإخباريين قد تعرَّض لانتقادات بنيوية وجذرية من لدن الأصوليين. ومن الواضح جداً بأن رأي الإخباريين الذين كانوا يمثلون التيار التكفيري لدى الشيعة لا يمكن تبريره أبداً، ولا يمكن تصنيف الشيعة كلّهم ضمن المعتقدين بهذا الرأي.

الملحَظ الرابع: تكفير النواصب، القول المشهور لدى الشيعة الأصوليين

لم يقتصر الرأي المشهور للشيعة الأصوليين على تكفير النواصب، بل شمل تكفير الخوارج والغلاة أيضاً. يرى الشيعة الأصوليون بأنَّ من يخالف النصّ النبويّ المسلَّم به الذي ينصّ على لزوم حبّ أهل البيت وحُرمة بُغضهم، ومن يظهر العداوة والبغضاء لأهل البيت، يكون خارجاً عن الإسلام، ولا تُحترَم نفسه وأمواله وعِرضه. النواصب (أيْ أهل العداء والبغضاء والتطاول على آل البيت) يمثلون أقليّة محدودة جدّاً، فهم معدودون جدّاً بين أهل السنة. يصرّح الشيعة الأصوليون بأنَّ موقف أهل السنة وحسابهم يختلف عن موقف النواصب وحسابهم، أيْ أن الأصوليين، على خلاف الإخباريين، لا يدمجون النواصب والسنة معاً، وإن هذه المعادلة (دمج الناصبي مع السنّي) مردودة تماماً. يرى الشيعة الأصوليون بأنَّ عدم الاعتقاد بولاية أئمة أهل البيت وإنكار الإمامة الشيعية لا تؤدّي بالفرد إلى أن يكون ناصبياً، بل إن إظهار البغض وممارسة العداء، والأسوء من كلّ ذلك البدء بمحاربة أهل البيت تجعل الفرد متصفاً بصفة الناصبي.[28]

سؤال: الرأي المشهور لدى الشيعة حول تكفير النواصب والخوارج والغلاة، هل هو رأي قابل للدفاع؟ إجابة الكاتب سلبيّة! لا إشكال في وجوب حبّ أهل بيت النَّبيّ وحُرمة بُغضهم في كلّ المذاهب السنيّة، بيد أن إهدار دم ومال وعِرض أحدهم لمجرّد ارتكابه الخطأ الفادح المتمثل بإظهار العداوة والبغضاء لأهل البيت، إنما هو أمر قابل للنِقاش الجاد.[29] إن العقيدة الباطلة مهما كان مضمونها (حتّى الكفر والشرك) لا تُحرم الفردَ في الدنيا من الحقوق الإنسانية. وبالنسبة للناصبي، حتّى لو اعتُبِرَ مرتداً وساباً، فإنّ نفسه وعِرضه وأمواله محترمة. لقد فصَّلتُ القول في نقد أدلّة حدّ الردّة والسَّب في موضعٍ آخر.[30]

الملحَظ الخامس: الرأي المتّفَق عليه لدى الشيعة الأصوليين: عدم جواز تكفير سائر المسلمين

يتفق الشيعة الأصوليون على عدم جواز تكفير سائر المسلمين (عدا النواصب). أيْ لا يوجَد أيّ شيعي أصولي يقول بكفر المسلمين من أهل السنّة أو سائر الفِرَق الشيعية بنحوٍ لا يحترم أنفسهم وأموالهم؛ بل على العكس من ذلك ثمّة أحكام إسلامية من قبيل مسألة الطهارة وحليّة الذبيحة وجواز الزواج وجواز الإرث وجواز الدفن في مقابر المسلمين وغيرها، تجري كلّها على كلّ المذاهب والفرق ومن دون أيّ استثناء. إن الاعتقاد بولاية أئمة أهل البيت أو الخلافة المباشرة لعلي بن أبي طالب مِن بعد النَّبي، وإن كانت لدى الشيعي الأصولي من المُسَلّمات الإسلامية ومن ضروريات التشيّع ومن مقوّمات الإيمان، بيد أنّه لا يعدّها من ضروريات الإسلام، إذ أنّها في حكم المسائل النظرية العقائدية، وبالتالي لا يؤدّي إنكارها إلى إنكار الرسالة الإسلامية، وهذا يعني أنّها ليست سبباً في الكفر. ثمّة شرطان فقط للإيمان بالإسلام: الشّهادة بوحدانية الله، والشّهادة برسالة محمّد بن عبد الله (ص). إذا نطق أحدهم بهاتَين الشهادتَين عن وعي وإرادة يكون مسلماً. وبعبارةٍ أخرى ليس للعقائد الشيعية أيّ دور في أصل الإسلام، إذ أنّها عقائد مختصّة لإيمانِ الشيعة فقط، وليست من شروط الإسلام كلّاً.[31] وبهذا تتضح حُرمة تكفير المسلم الفعلي.

الملحَظ السادس: المسلمون الآخرون عند الشيعة الأصوليين مُسلمين ظاهراً وواقعاً

المسلمون الآخَرون (المذاهب السنيّة المختلفة وسائر الفِرَق الشيعية، عدا النواصب) في رأي الشيعة الاثني عشرية الأصوليين، هل يُعدّون مسلمين ظاهراً وواقعاً، أم مسملين ظاهراً فقط؟ إن تعبير “الإسلام الواقعي” يختلف عن “الإسلام الباطني”، فالأخير –أيْ الإسلام الباطني- معادل للإيمان الأخروي على وفق الرؤية الشيعية الخاصة. والمراد من الإسلام الواقعي هو أنّهم، بالإضافة إلى إسلامهم الحُكمي والظاهري، مسلمون واقعاً، ولا فرق بينهم وبين المسلمين الشيعة الاثني عشرية. يظهر أن هذا بحثٌ متأخّر.

يُقسَّم الشيعة الأصوليون من هذه الناحية على فريقَين: الفريق الأوّل من الشيعة الأصوليين يعدّون المسلمين الآخَرين (غير الشيعة الاثني عشرية) مسلمين ظاهرياً في الدينا، وكفّاراً واقعيين في الآخرة. يُعد السيّد أبو القاسم الخوئي (1899-1992م) أحد أشهر القائلين بهذا الرأي، فهو يرى بأنَّ المسلمين الآخرين محكومون بالإسلام الظاهري (الطهارة، النفس والأموال المحترمة، الإرث، الزواج، حليّة الذبيحة وسائر الأحكام الشرعيّة)، ويمكن عدّهم مسلمين في الدينا وكفّاراً في الآخرة.[32]

خضع هذا الرأي لانتقادات معمّقة من لدن تلامذة السيّد الخوئي، فهم يذهبون إلى الإسلام الواقعي والظاهري لدى المسلمين الآخرين ولم يقتصروا على القول بإسلامهم الظاهري. الشيخ حسين وحيد الخراساني (و: 1921م) المرجع التقليدي في حوزة قم العلميّة في كتابه «التكفير في ضوء الفقه الشيعي» يذهب إلى أن نفي الإسلام الواقعي عن سائر المسلمين غير صحيح، مبيناً بأن أدلّة السيّد الخوئي كلّها ناظرة للإيمان (الشيعي)، وليس للإسلام، فالفرد يكون مسلماً واقعاً وظاهراً باعتقادٍ قلبي بالشهادتَين.[33] أمّا الفقيه الآخر الذي يصرّح بإسلام سائر المسلمين إسلاماً واقعياً وظاهرياً هو السيد علي السيستاني (و: 1930) مرجع الشيعة الأعلى المقيم في حوزة النجف العلميّة.

بعد انتشار تصريحات السيّد الحيدري عرض مواطنٌ عراقيٌّ هذه المزاعم نفسها على السيّد السيستاني في إطار استفتاء، مستفسراً عن مدى صحّتها. كتب السيّد السيستاني في الجواب: «إن المسلمَ غير الاثني عشري مسلمٌ واقعاً وظاهراً لا ظاهراً فقط، ولذلك فإن عبادته كصلاته وصومه وحجّه تكون مجزية ومبرأة لذمته من التكليف بها إذا كانت مستوفية الشروط. فلا فرق بين الشيعة وجميع طوائف المسلمين في أن الجميع مسلمٌ واقعاً وظاهراً.»[34]

بالنظرِ إلى أهمية الموضوع أورد في خاتمة هذا المقال نص «البحث الاستدلالي» للشهيد السيّد محمّد باقر الصَّدر (1935-1980م) حول إسلام سائر المسلمين من منظور الشيعة الأصوليين. يمكن القول أنَّه على خلاف رأي السيّد الحيدري ثمّة مجموعة لافتة من الفقهاء الشيعة المعاصرين يذهبون إلى إسلام سائر المسلمين إسلاماً واقعياً وظاهرياً. وبعبارةٍ أخرى إن القول بالإسلام الظاهري والكفر الواقعي للمسلمين الآخَرين لا يُعد «الرأي المشهور لدى الشيعة»، وهذا أمر مُسلَّم به.

الملحَظ السابع: أحكام الإسلام كلّها جارية على المسلمين كافّة من باب الحُكم الأولي ومن دون أيّ تمييز مذهبي

على الرغم من أن الشيعة الأصوليين يتفقون على عدم تكفير سائر المسلمين وعلى حقن دمائهم وأموالهم ويجرون عليهم سائر أحكام الإسلام، بيد أن هناك اختلاف في نقطتَين: الأولى حول مَحقونية العِرض (أيْ لزوم الحفاظ على عرض سائر المسلمين وكرامتهم)، والنقطة الأخرى لزوم الأخوّة معهم. يذهب القول الأوّل إلى أن وجوب حفظ العِرض والكرامة من جانب وفريضة عقد الأخوّة الإسلامية من جانب آخر محصور في الشيعة الاثني عشرية، ولذا تصبح أدلّة تحريم الغيبة والهجو واللعن مختصّة بالمؤمنين (الشيعة الاثني عشرية)، وزعموا بأنَّ تعميم هذه الأدلة على سائر المسلمين فاقد للدليل![35]

أمّا القول الآخر فإنّه لا يحصر فريضة الأخوّة الإسلامية بالشيعة الاثني عشرية، ويشمل جميع المسلمين، وتحديداً أهل السنة والجماعة. فضلاً عن ذلك لم يحصر أصحاب هذا القول بعض المحرّمات من قبيل الغيبة والهجو واللعن والبهتان والسَّب بالشيعة الاثني عشرية ولا حتّى بالمسلمين فقط، بل يجرون قبح هذه الأعمال وحُرمتها على أي إنسان آخر. كان هذا الدرس الأخير للمرحوم الأستاذ حسين علي المنتظري النجف آبادي (1922-2009م) في المكاسب المحرّمة في مبحث «سبّ المؤمن»[36]، ولكنّه لم ينته مع رحيله. مع ذلك يُعد هذا الرأي مبنى رصيناً في فقه الإمامية، وهو من أرسى قواعده، واستأنفه تلامذتُه. يتبنّى كاتب هذا المقال القول الثاني ويعدّه رصيناً وسارياً، ويرى القولَ الأوَّلَ مخالفاً لمحكمات القرآن والسنّة النبويّة المعتبرة وسيرة أهل البيت الموثوقة، ومعارضاً للموازين الأخلاقية والشرعية في الإسلام، وبالتالي يعدّه باطلاً. لقد فصلتُ القولَ عن ذلك في موضعٍ آخر.[37]

الخاتمة: البحث الاستدلالي للشهيد السيّد محمّد باقر الصَّدر حول إسلام غير الشيعة

مثلما ذكرتُ في نهاية الملحَظ السادس سأنقلُ التعليقات الاستدلالية للشهيد السيّد محمّد باقر الصّدر على كتاب العروة الوثقى ليطّلع القارئ الكريم على الجوانب الفنيّة وأدلّة “إسلام غير الشيعة” في الفقه الشيعي. القرّاء الذين لا يرغبون في مواصلة التفاصيل الاستدلالية للبحث بإمكانهم تجاوز هذا القسم من المقال والانتقال إلى مطالعة الاستنتاجات.

«لم يقم دليل على نجاسة من ينتحل الإسلام من الكفار، فضلاً عن المخالفين. وأما محاولة إثبات نجاستهم فهي بدعوى: كونهم كفاراً وقيام الدليل على نجاسة الكافر مطلقاً. والكبرى ممنوعة كما تقدّم. وأمّا الصغرى فقد تقرّب بثلاثة أوجه:

الأوّل: كون المخالف منكراً للضروري، بناء على كفر منكر الضروري.

ويردّ عليه: – مضافاً إلى عدم الالتزام بكفر منكر الضروري -أن المراد بالضروري الذي ينكره المخالف، إن كان هو نفس إمامة أهل البيت فمن الجلي أن هذه القضيّة لم تبلغ في وضوحها إلى درجة الضرورة، ولو سلَّم بلوغها حدوثاً تلك الدرجة فلا شك في عدم استمرار وضوحها بتلك المثابة لما اكتنفها من عوامل الغموض.

وإن كان هو تدبير النَّبي وحكمة الشريعة على أساس أن افتراض إهمال النَّبي والشريعة للمسلمين بدون تعيين قائد أو شكل يتم بموجبه تعيين القائد يساوق عدم تدبير الرسول وعدم حكمة الشريعة، فإن هذه المساوقة حيث إنها تقوم على أساس فهم معمَّق للموقف فلا يمكن تحميل إنكار مثل هذا الضروري على المخالف [المسلم الآخَر]، لعدم التفاته إلى هذه المساوقة أو عدم إيمانه بها.

الثاني: الروايات التي تطبق عنوان الكافر على المخالف [المسلمون الآخرون]. (وسائل الشيعة، الباب العاشر من أبواب حدّ المرتد).

ويردّ على ذلك: أن الكفر فيها يتعيّن حمله على ما لا يقابل الإسلام، فيكون مساقها مساق ما طبق فيه عنوان الكفر على العاصي للإمام كما في رواية المفضَّل عن الكاظم (ع) إذ ورد فيها: “ومَن عَصاه فقد كفر”، مع وضوح أن المعصيّة لا توجب الكفر المقابل للإسلام.

وهذا الحمل يبرره أولاً: ما دلَّ على كون الضابط في الإسلام التصديق بالله وبالرسول، المحفوظ في المخالف أيضاً. فإن قيل: إن الروايات المذكورة مقيّدة لدليل ذلك الضابط أو حاكمة عليه. يقال: إن ذلك ممتنع، لأنه من قبيل تخصيص الأكثر المستهجن عرفاً…

وثانياً: الارتكاز والسيرة. وذلك إما بتقريب: أن السيرة والبناء العملي منعقد على التعامل مع المخالف معاملة المسلم، وهو كاشف عن إسلامه. أو بتقريب [ثان]: أن تعايش الموالين لأهل البيت مع عموم المسلمين وشدة احتياجهم إلى معرفة حكمهم من هذه الناحية ومدى الحرج التي يترتب على افتراض كفر المخالفين، كل ذلك يجعل من المؤكد أن يكون حكم المخالفين [المسلمين الآخرين] من هذه الناحية أمراً واضحاً مركوزاً في أذهان الموالين، وهذا يعني أنه كان أحد الأمرين مركوزاً في الذهن المتشرعي العام نظراً إلى طبيعة المسألة وأهميتها. وعليه فإن لم ندع القطع بأن المركوز كان هو إسلام المخالفين وطهارتهم، فلا أقل من احتمال ذلك بنحو معتدّ به، وهو يوجب احتمال القرينة المتصلة الموجب لإجمال الروايات المذكورة، لأن الارتكاز من قبيل القرائن المتصلة. وقد حققنا في الأصول أن احتمال القرينة المتصلة المعتدّ به يوجب الإجمال.

الثالث: ما دلَّ من الروايات على أن المخالف مطلقاً ناصب. وهي – سواء كان مفادّها التعبد وتنزيل المخالف منزلة الناصب بالحكومة أو شرح كلمة الناصب، وأن مرادهم [أيْ الأئمة] من الكلمة مطلق المخالف – تثبت أن حكم الناصب ثابت للمخالف. فإذا ثبت كفر الناصب ونجاسته ثبت ذلك في مطلق المخالف [سائر المسلمين].

وقد يُعترَض على ذلك… التحقيق في ردّ هذه الروايات – مضافاً إلى ضعف السند في كلّها أو جلّها – ما تقدم من مناقشة للروايات السابقة. [الكفر في هذه الرويات ليس الكفر المقابل للإسلام].»[38]

الاستنتاجات

استعرضَ هذا المقال مدخلاً وجيزاً لمبحث التكفير والتشيّع، وأرجو أن تتاح فرصة أخرى لإكماله. ألخصُ فيما يلي نتائج هذا البحث (عدا مقدّمته):

أولاً: الشيعة الذين عدّوا المسلمين الآخرين كفّاراً في الآخرة وحصروا الفلاح الأخروي بمذهبهم لا يختلفون من هذه الناحية عن التوجّه الاحتكاري السائد، وهي نظرية أتباع الأديان الإبراهيمية قاطبةً (ومن ضمنهم المسلمين السنّة)، وحتّى أتباع الديانات غير الإبراهيمية. بعبارةٍ أخرى لم تختصّ هذه النظرية الاحتكارية ببعض الشيعة. فضلاً عن أن المؤلف يرى قضيّة احتكار الفلاح والنجاة قابلة للبحث والنقاش.

ثانياً: تتمثَّل النقطة المتنازَع عليها بالتكفير المصطلح الفقهي أو الدنيوي أو الظاهري (أو نسبة الردّة والزندقة وتجديف المقدّسات)، وهي ما تؤدّي إلى عواقب مريرة كسلب حقّ الحياة وحقّ المُلكية والكرامة الإنسانية. أمّا التكفير الباطني والأخروي أو الكلامي الذي يعني تصنيف أتباع سائر الأديان والمذاهب ضمن أهل العذاب في عالَم الآخرة يقع خارج محل النزاع. وهنا يجب التنويه بأنَّ تدخّل الفقه -الذي يمثّل العِلم «بالأحكام الظاهرية»- في الحكم بـ«الكفر الباطني»، إنما هو تدخل غير مُبرَّر مطلقاً. فاستنتاج الكفر المصطلح (أو الكفر الظاهري أو الدنيوي أو الفقهي) من الكفر الباطني والكلامي يمثّل مغالطةً فظيعة.

ثالثاً: لقد كان الإخباريون الشيعة تكفيريين حقيقةً، فإنّهم بحجّة الأحاديث المتواترة كانوا يعدّون المسلمين غير المستضعفين (أتباع المذاهب السنية كلّها، وأتباع الفرق الشيعية كلّها، عدا الشيعة الاثني عشرية) من النواصب وأنجاساً وكفّاراً دنيويين. لقد انقرض هذا التفكير بفضل الجهاد العِلمي الذي قام به الأصوليون؛ مع ذلك يمكن تلمّس بعض المظاهر المتناثرة عن هذه الآراء والعقائد هنا وهناك.

رابعاً: القول المشهور لدى الشيعة الأصوليين يتمثّل بتكفير النواصب والخوارج والغلاة، ونتيجته هدر دم هؤلاء. يرى الشيعي الأصولي المؤمن بالتشيع الاثني عشري بأنَّ عدم الاعتقاد بولاية أئمّة أهل البيت وإنكار الإمامة الشيعية لا يجعل من أحدٍ ناصبياً. وفي رأي الكاتب حتّى لو ارتكب أحدهم خطئاً فادحاً وأظهر العداوة والبغضاء لآل البيت أو اعتنق عقيدةً باطلة، فهذا كلّه لا يؤدّي إلى هدر دمه وماله وعِرضه.

خامساً: يتفق الشيعة الأصوليون على عدم جواز تكفير سائر المسلمين (عدا النواصب). أيْ لا يوجَد شيعي أصوليّ يذهب إلى كفر المسلمين من أهل السنّة أو كفر سائر الفِرَق الشيعية بنحو يُبيح أنفسهم وأموالهم. إن الاعتقادات الشيعية الخاصّة لا تمثّل ضروريات الإسلام وتُعَد في حكم المسائل النظرية العقائدية، وبالتالي لا يؤدّي إنكارها إلى إنكار الرسالة النبويّة ليصبح إنكارها كفراً. إذ أن اعتناق الإسلام -حدوثاً وبقاءً- لا يُشترَط فيه إلا النطق بالشهادتَين، أي التوحيد والنبوّة.

سادساً: إن سائر المسلمين (المذاهب السنيّة المختلفة وسائر الفِرَق الشيعية، عدا النواصب) يُعدّون عند الشيعة الاثني عشرية مسلمين «ظاهراً وواقعاً». وعلى خلاف رأي السيّد الحيدري إن القول بالإسلام الظاهري والكفر الواقعي للمسلمين الآخَرين لا يُعد «الرأي المشهور لدى الشيعة»، بل هو رأي السيّد الخوئي. وثمّة فئة لافتة من الفقهاء الشيعة المعاصرين ذهبوا إلى إسلام سائر المسلمين واقعاً وظاهراً، منهم الشيخ الوحيد الخراساني والسيّد السيستاني في عصرنا الحاضر. وإن المرجع الأخير قد أصدر رأياً في معرض إجابته عن استفتاء حول رأي السيّد الحيدري.

سابعاً: الأحكام الإسلامية كلّها تجري على المسلمين كافّة من باب الحُكم الأولي، ومن دون أيّ تمييز مذهبي. وإن فريضة الأخوّة الإسلامية ومحرّمات من قبيل الغيبة والهجو واللعن والبهتان والسَّب لا تختصّ بالشيعة الاثني عشريّة، إذ تشمل المسلمين كلّهم بما في ذلك مذاهب أهل السنّة وسائر الفِرَق الشيعية. بل إن حرمة إرتكاب المحرّمات المذكورة جارية بالنسبة لأيّ إنسان آخر، حتّى لو كان من غير المسلمين. من الفقهاء القائلين بهذا الرأي المترقي هو المرحوم الأستاذ المنتظري.

أكتفي بهذا المقدار، وأؤكّد ترحيبي بانتقادات أصحاب الرأي.

وفي الختام أتمنى أن يقوم العالِم المحترم جناب السيد كمال الحيدري بنشر آرائه الاستدلالية المدوّنة حول المحاور السبعة المتقدّمة وسائر القضايا المرتبطة بهذا البحث، ليُتاح المجال لمناقشة الآراء والحوار العلمي بنحو أدق وأكثر تفصيلاً. والحمدُ للهِ رَبّ العالَمين.

2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020

[1] لقد قام الدكتور محمود صدري بمطالعة المُسَوّدة الأولى لهذا البحث قبل نشره، وأفادني بملاحظاته النافعة، فله منّي كلّ الشكر والتقدير.

[2] الموقع الرسمي لسماحة المرجع الدینی السیّد کمال الحیدري، حوار الدين والعلمانية مع سماحة المرجع الديني السيد كمال الحيدري، الحلقة الخامسة (برنامج المراجعة، قناة العراقية الفضائية)، تاریخ النشر 18 أكتوبر/تشرين الأوّل 2020.

[3] على سبيل المثال: العرعور یرید التفاهم مع السید الحیدری. عدنان بن محمد العرعور (و: 1948)، الداعية السلفي الشهير المقيم في الرياض في قناة الوصال الفضائية. رابط البرنامج في اليوتوب:  https://www.youtube.com/watch?v=lVqqG0Ds2-M. يتضح من مضمون هذا البرنامج (4 أكتوبر/تشرین الأول 2016) –الذي انتشر بعد اللقاء مع السيد الحيدري بنحو موسَّع في العالم الافتراضي وفي التواصل الاجتماعي- بأنّها لم تكن المرّة الأولى يزعم فيها السيّدُ الحيدري بأن التشيع مذهب تكفيري!

[4] ظهر منذ فترة شخص يدعى السيد كمال الحيدري وهو أحد المنتسبين للحوزات العلمية، يدلي بتصريحات باطلة حول محكمات الإسلام والمذهب الشيعي بين الحين والآخر… لم يكن لديه الإنضباط والمثابرة اللازمين في دراسته، ولم يتعلم من أساتذته بما فيه الكفاية. ودوره في أحد برامج قناة الكوثر لم يكن بسبب قدراته العلمية، بل كان دوره یقتصر علی بيان المعلومات التي قدمها له فريق من الخبراء… والظاهر أنه حوّل نفسه الآن إلى مغارة مليئة بالشكوك… الطريق الذي سلكه هذا الشخص ليس إلا انحرافًا وضلالًا. (الموقع الرسمي لجماعة العلماء والمدرسين في حوزة قم العلمية، تاريخ مراجعة البيان في الموقع: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020)

[5] تناولت هذا الموضوع في هذا الكتاب الالكتروني: اسنادی از شکسته شدن ناموس انقلاب: نگاهی به سال‌های پایانی زندگی آیت‌الله سید کاظم شریعتمداری، [وثائق حول انفصام شرعية الثورة، وقفةٌ عند السنوات الأخيرة من حياة السيّد كاظم الشريعتمداري] مجموعه‌ی مواجهه‌ی جمهوری اسلامی با علمای منتقد، دفتر اول، ویرایش دوم: 1394هـ.ش. [2015]

[6] يُنظَر المقال المعنوَن: «صانعی مرجع اصلاح طلبی خط امام» [الصانعي مرجع إصلاحي من أتباع تيّار الإمام الخميني]، للمؤلف. صدر في مدونته الشخصية بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول 2020.

[7] لقد فصلتُ القول عن التصرّفات الأخرى التي قامت بها جمعية المدرسين وشخص الشيخ محمد يزدي مع المراجع والعلماء في موضع آخر: پرده هفتم حاکمیت برای مرجعیت مستقل: مروری بر نقش نیابتی محمد یزدی در سرکوب استقلال حوزه علمیه قم، [المشهد السابع للسلطة لإقامة مرجعية مستقلة: وقفة عند الدور النيابي الذي قام به محمّد اليزدي في قمع إستقلالية الحوزة العلميّة في قم] 6 آبان ۱۳۹۷، [28 أكتوبر/ تشرين الأول 2018]، مدوّنة المؤلف في الشبكة المعلوماتية.

[8] علي ‌أشرف فتحي، مارتین لوتر شیعه؟ آیت ‌الله سید کمال حیدری چه می‌گوید و چه می‌خواهد؟ قم: تقریرات، العددان 4و5، مباحثات، ۱۸ دی ۱۳۹۵. [7 يناير/ كانون الثاني 2017]

[9] من جملة ذلك تفاصيل لقاءه بالمرشد الأعلى بقلم عباس کعبي: ویژه نامه سفر رهبر انقلاب به استان قم در سال ۱۳۸۹، بعد از ظهرهای حسینیه امام خمینی قم: گعده های طلبگی، پایگاه اطلاع رسانی دفتر حفظ و نشر آثار حضرت آیت الله العظمی خامنه ای، [تفاصيل رحلة قائد الثورة إلى محافظة قم في عام 2010، أمسيات حسينية الإمام الخميني في قم: الندوات الطلابية، الموقع الرسمي لمكتب حفظ ونشر آثار سماحة آية الله العظمى الخامنئي] ۲۰ دی ۱۳۸۹ [10 يناير/ كانون الثاني 2011]. (تاریخ المراجعة: 28 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2020)

[10] للمزيد يُنظَر: سلمان عبد الأعلی، السعودیة، ولایة الفقيه والمرجعية الدينية في فکر السید کمال الحیدری، قراءات في المنظومة المعرفیة للسید کمال الحیدري، بمشارکة نخبة من الباحثين، ج ۱، ص ۲۸۵ – 334 (الکاظمیة: مؤسسة الإمام الجواد للفکر والثقافة، ۲۰۱۸)

[11] لمعرفة المزيد يُنظَر: الموقع الرسمی لسماحة المرجع الدینی السید کمال الحیدری، أسباب وضع الحدیث عند الشیعة، ۳۰ نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

[12] يُنظر موقع آية الله العظمى السيد كمال الحيدري دام ظلّه، اصلاحات دینی را چگونه شروع کنیم؟ [كيف نبدأ بالإصلاحات الدينية؟] تاریخ 8 فبرایر/ شباط 2016. إنه لوثر الثالث عند الشيعة في نصف القرن الأخير. اللوثران السابقان كانا يرتديان القبّعة، وهذا اللوثر الثالث معمَّم.

[13] المصدر نفسه، رویکرد غالب حوزه های علمیه ما اصولی است یا اخباری؟! [المنهج الغالب في حوزاتنا العلميّة، أصوليٌ أم إخباريّ؟] تاریخ 5 أبريل/نيسان 2017.

[14] المصدر نفسه، چکیده مدعای جواز تعبد به ادیان و مذاهب الهی و بشری، [تلخيص الرأي القائل بجواز التعبّد بالأديان والمذاهب الإلهيّة والبشريّة] 7 فبراير/شباط 2020.

[15] المصدر نفسه، نظریۀ مشروعیّت تعدّد قرائت ها از دین، [نظرية مشروعية تعدد القراءات للدين]، 14 فبراير/شباط 2019.

[16] طلال حسن، من محوریة اسلام الحدیث إلی محوریة إسلام القرآن: ملخص المشروع الإصلاحی للسید کمال الحیدري، البصرة: مؤسسة الإبداع الفکري للدراسات التخصصیة، د.ت.

[17] الموقع الرسمي لسماحة المرجع الدیني السید کمال الحیدري، دروس فقه المرأة، ۲۰۱۷.

[18] Exclusivist. For more information: Mahmoud Sadri, “From Irony to Inclusion: Early models of Interfaith Dialogue” in: Inter-religious Insight, January 2006

[19]  Pew Research Center. August 9, 2012. The World’s Muslims: Unity and Diversity. https://www.pewforum.org/2012/08/09/the-worlds-muslims-unity-and-diversity-executive-summary

على وفق هذا الاستطلاع 53% من المصريين و50% من المغربيين و43% من الأردنيين و41% من التونسيين و40% من الفلسطينيين لا يعدّون الشيعة مسلمين! في حين تبلغ هذه النسبة في لبنان 21% وفي العراق 14%.

[20] موسوعة الامام شرف الدین، المجلد الثالث، الفصول المهمة،  الفصل التاسع، في مَن أفتى بكفر الشيعة وتفصيل ما استدلَّ به على ذلك، ص 159-182: «إن هؤلاء [الشيعة] الكفرة والبُغاة الفجرة جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد، وأنواع الفسق والزندقة والإلحاد، ومن توقَّف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم!»

[21] «۱. إن الإسلام لا يوجب علي أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول: إن لکل مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحکامها في کتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل الي غيره أي مذهب کان ولا حرج عليه في شيء من ذلك. 2. إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير حق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.»

[22] يُنظَر مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، المجلّد الاول: العقیدة والآداب الإسلامیة (تصحیح عبد العزیز زید الرومي، محمد بلتاجي و سید حجاب، د.ت، د.م) في هذه الرسائل: ۱- کتاب التوحيد، ۲- كشف الشبهات، 4- القواعد الأربع، 6- أصول الإیمان، ۷- مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، ۸- مجموعة رسائل فی التوحید، ۹- کتاب الکبائر؛ ج15، القسم الرابع منه: بيان الأشياء التي يكفّر مرتبكها ويجب قتاله؛ ج24، المجموعة (ج۱۳ ق4): رسالة في الرد على الروافض. ويُنطَر أيضاً الأمین، السید محسن: کشف الإرتیاب فی اتباع محمد بن عبدالوهاب (قم: مؤسسة دار الکتاب الإسلامي، ۲۰۰۷).

[23]  Inclusivism

[24] آیا سعادت اخروی و همزیستی دنیوی مشروط به دین و مذهب خاصی است؟ [هل السعادة الأخروية والتعايش الدنيوي يُشترط فيهما دين ومذهب معيّن؟] مدوّنة المؤلف الشخصية، 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015؛ پلورالیزم دینی: مناظرة بين عبد الکریم سروش ومحسن کدیور، [التعددية الدينية: مناظرة بين عبد الكريم سروش ومحسن كديور]، طهران، منشورات جريدة سلام، ۱۳۷۸، [1999م].

[25] على سبيل المثال حدثت مثل هذه المغالطة في هذا المقال: «تکفیر در اندیشه کلامی و فقهی شیعی» [التكفير في الفكر الكلامي والفقهي الشيعي]، حسن یوسفي أشکوري، (موقع زیتون في الشبكة المعلوماتية، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020). أتمنّى أن يقوم صديقي [الكاتب] المحترم بتصحيح هذا الخطأ.

[26] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج۷۱، ص۳۲۳ (بیروت، مؤسسة الوفاء، ۱۹۸۳).

[27] الشیخ یوسف البحراني، الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة، ج5، ص 174-190، (قم: مؤسسة النشر الاسلامی، 1405هـ)

[28] السید محمد کاظم الیزدي في العروة الوثقی: لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب. … غير الاثني عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين ومعادين لسائر الأئمة ولا سأبين لهم طاهرون، وأما مع النصب أو السب للأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم فهم مثل سائر النواصب. (السید محمدکاظم الطباطبائی الیزدی، العروة الوثقی مع تعلیقات عدة من الفقهاء العظام، قم: مؤسسة النشر الاسلامی، 1421هـ، ج۱ ص 140-141). للإطلاع على تفاصيل الاستدلال على كفر النواصب يُنظَر الشيخ حسين وحيد الخراساني، التكفير في ضوء الفقه الشيعي، بقلم محمد رضا الأنصاري، ط۲، النجف: منشورات دار المهذب، ۲۰۱۸، الفصل الأوّل، ص 16-52.

[29] بحسب رأي المرحوم الأستاذ المنتظري فإنَّ «حكم المرتد أو حكم الناصبي كان في الأساس حكماً سياسياً وولائياً، وتؤخَذ بنظر الاعتبار فيه ظروف الزمان والمكان. نذكر على سبيل المثال أنّه جاء في كتاب الإمام الرضا (ع) إلى المأمون: «لا يحلُّ قتلُ أحدٍ من النصّاب والكفّار في دار التقيّة إلا قاتلٌ أو ساعٍ في فسادٍ.» (الإسلام دين الفطرة، تحت إشراف الفقیه والمرجع الديني الأعلى سماحة آیة الله العظمی المنتظري، ط: الأولى، طهران: أرغوان دانش، شعبان 1429هـ، ص 521.)

[30] في كتابي المعنوَن: «مجازات ارتداد و آزادی مذهب: نقد مجازات ارتداد و سبّ النبی با موازین فقه استدلالی» [حدّ الردّة وحريّة العقيدة: نقد عقوبة الارتداد وسبّ النبيّ في ضوء موازين الفقه الاستدلالي]، ضمن سلسلة الإسلام وحقوق الإنسان، العنوان الثاني ضمن هذه السلسلة، کتاب الکتروني، 2014. التحریر الثاني لهذا الكتاب سيصدر عن منشورات انديشه هاى نو في إسن-ألمانيا، والترجمة الانجليزية للتحرير الثاني ستصدر في شباط القادم عن منشورات ادينبورغ في بريطانيا، والترجمة العربية للكتاب نفسه ستصدر في الربيع القادم عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة-قطر.

[31] للإطلاع على الأدلّة المعتمدة في إسلام سائر المسلمين من منظور الشيعة الأصوليين يُنظَر: الوحيد الخراساني، التكفير في ضوء الفقه الشيعي، الفصل الثاني حتّى الفصل السادس، ص 53-164.

[32] السید أبو القاسم الخوئي، التنقیح في شرح العروة الوثقی، بقلم المیرزا علي الغروي، قم: مؤسسة الخوئي، 1430هـ، ج۲، ص۸۳-۸۷.

[33] وحید الخراساني، التكفير في ضوء الفقه الشيعي، الفصل التاسع، ص۱۸۷- 206.

[34] جواب السيّد السيستاني على استفتاء عبد العزيز غلوم الذي قرأه ممثله السيّد منير الخبّاز في قناة الإخبارية العراقية. وکالة حوزة للأنباء، 21 أكتوبر/تشرين الأوَّل 2020. «سألني الأخ العزيز الحاج عبد العزيز غلوم حفظه الله عن هذه المقالة وهي: «أقطع بأنه لا يوجد عالم شيعي اثنى عشري إلا ويحكم بكفر المسلمين جميعاً باطناً. وأمّا الكفر الظاهري فقد قال به بعضهم.» والجواب: إن المرجع الأعلى في زماننا هذا للشيعة الأمامية سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله الشريف يفتي بهذه الفتوى وقد استلمتها اليوم من النجف الأشرف قال: «إن المسلم غير الإثني عشري مسلمٌ واقعاً وظاهراً لا ظاهراً فقط ولذلك فإن عبادته كصلاته وصومه وحجه تكون مجزية ومبرأة لذمته من التكليف بها إذا كانت مستوفية الشروط.» فلا فرق بين الشيعة وجميع طوائف المسلمين في أن الجميع مسلم واقعاً وظاهراً. وهذا الرأي لا يخص السيد السيستاني دام ظله بل سبقه أستاذه السيد البروجردي و هو مرجع شیعه فی زمانه وأستاذه السيد [محمد] الحجة الكوهكمري من مراجع قم ومشاهیرها وتعرض له عبقري زمانه السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في الجزء الثالث من بحوثه في شرح العروة في صفحة ۲۷۳ كما نقل عن الإمام المصلح الشيخ محمد حسین كاشف الغطاء. فالقول بأنه لا يوجد عالم شيعي اثنى عشري إلا ويحكم بكفر المسلمين جميعاً باطناً قول مجانب للحقيقة والواقع.

[35] إنَّ غير الشيعة -بناءً على هذا القول- غير محترَمين، ولا تجري عليهم إلا تلك الفئة من الأحكام الإسلامية التي يتوقف عليها نظم معاش المؤمنين. (من قبیل الطهارة، وحلیة الذبیحة، والزواج وحرمة النفس). بعبارةٍ أخرى تجري هذه الأحكام من باب «الحُكم الثانوي» وفي ظروف تتعرَّض فيها الحياة الاجتماعية للشيعة الاثني عشرية للمخاطر والخلل. أما أحكام من قبيل حُرمة الاستغابة والهجو واللعن في مورد غير الشيعة الاثني عشرية الذين لا توجَد فيهم مثل هذه المشكلة بحسب رأي أصحاب الفتوى فإنها غير جارية. وعلى هذا المنوال تختصّ الأخوّة الدينية بالمسلمِ بالمعنى الأخص، أي المؤمن بولاية أمير المؤمنين وأولاده المعصومين، ولا تشمل المسلمين بالمعنى الأعم، الذي يشمل كلّ الفِرَق الإسلامية. من جملة القائلين بهذا القول في مبحث الغيبة هم كلّ من الشيخ محمّد حسن النجفي في جواهر الكلام (بيروت: دار التراث العربي، 1981، ج22، ص62)، والشيخ مرتضى الأنصاري في المكاسب (قم: مؤتمر الشیخ الأنصاري، 1430هـ، ج1، ص319)، والسيّد أبو القاسم الخوئي في مصباح الفقاهة في المعاملات (بقلم الشیخ محمد علي التوحیدي التبریزي، قم: مؤسسة إحیاء آثار الإمام الخوئي، ۲۰۰۹، ج۱، ص496-499). ومن المعاصرين الشيخ الوحيد الخراساني في كتاب التكفير في ضوء الفقه الشيعي (الفصل ۷، و ۱۰ إلى ۱۲، ص 165-176 و207-258).

[36] حقوق الإنسان والسَّب والبهتان، آخرین درسهای خارج فقه حضرت آیت الله العظمی منتظری، تهران: سرایی، ۱۳۹۸.

[37] فصلتُ القول عن ذلك في هذا الكتاب: تهمت در حکومت اسلامی، [التُّهمة في الحكومة الإٍسلامية]، صدرت أربعة فصول من هذا البحث في مدوّنة المؤلف في الشبكة المعلوماتية: تهمت در حکومت اسلامی ( فبراير ومارس 2019)؛ والفصول الأربعة المتبقية ستصدر لاحقاً. البحث المعني بهذا الموضوع يمثل الفصل الأخير من هذا الكتاب.

[38] السیّد محمد باقر الصَّدر، بحوث في شرح العروة الوثقی، کتاب الطهارة، ج۳، ص 396-399. [قم]: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، 1421هـ.