تعاطفٌ مع شيعة أفغانستان المضطَهَدين

تعرَّض مسجدُ الشيعة في قندهار في الجمعة الماضية، وفي الجمعة قبلها مسجدُ الشيعة في قندوز، تعرضا إلى هجومٍ إرهابي أسفر عنه استشهاد عشرات المصلّين في بيت الله، وجرح عدد أكبر منهم. أقدّمُ أحرَّ التعازي للعوائل المفجوعة، وأشاطرهم الأحزان والعزاء. هذه ليست المرّة الأولى التي تتعرَّض فيها مساجد الشيعة ومدارسهم في أفغانستان للهجمات الإرهابية، فقد كانت تحدث أيضاً قبل انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان. وفي حقبة سيطرة طالبان لم تتضائل هذه الهجمات، بل تزايدت. ترى ما السبب؟

المسلمون الشيعة في أفغانستان أقلية مذهبية، فالأغلبية من الشعب الأفغاني مسلمون من أهل السنة. لا توجد إحصائية رسمية دقيقة لشيعة أفغانستان، ولكن في أقل التقديرات يُمكن تخمين أعدادهم بأنّهم يشكلون خُمس عدد النفوس في أفغانستان. بالنظرِ إلى السوابق التاريخية للصراعات المذهبية في المجتمعات التي لم تشهد تطوراً ملحوظاً فإنَّ الأقليّة الشيعية في أفغانستان عاشت تحت الضغط والمضايقات وحافظت على عقائدها المذهبية. خلال الفترة السابقة من سيطرة طالبان على أفغانستان كان الشيعةُ معرَّضين للظلم والإرهاب، وبعد هجوم الولايات المتحدة وحلفائها على أفغانستان استمرَّ الهجوم على الشيعة وترهيبهم، سواء من قبل طالبان أو من قبل داعش. وعلى الرغم من أن الحكومة المركزية الأفغانية كانت تسعى إلى تحقيق الاستقرار والأمن فإنّها لم تكن قادرة على مواجهة الإرهابيين، سواء أكانوا من داعش أو من طالبان.

مع خروج القوات الأجنبية وعودة طالبان مجدداً وسيطرتها على أفغانستان تعرَّض الشيعةُ في مساجدهم من جديد إلى هجمات الارهابيين العمياء والجماعية. إن جماعةَ طالبان -في الظاهر على أقل تقدير- تعارض هذه الهجمات الدامية، لأنَّ هذه الهجمات تطعن في شرعيتهم وحتّى في قدراتهم على بسط الأمن والاستقرار. فعلى أعقاب هجمة الارهابيين الدامية على مسجد الشيعة في قندوز أوعدت جماعة طالبان أنّها ستقبض على الارهابيين وتعاقبهم، ولكنَّ هذا الوعد لم يتحقق بعد. وفي هذه المرّة أيضاً أعلنت طالبان عن وعدٍ مماثل. خلال تواصلي مع الأصدقاء الشيعة في أفغانستان علمتُ أن طالبان إذا كانت غير متورطة في هذه الهجمات بنحوٍ مباشر، فإنّها لم تُبدِ أيَّ إرادة جادّة لمواجهة هذه الكوارث.

إنَّ تنظيم داعش في خراسان الذي تبنّى بعض هذه الهجمات، والذي يُعَد المتهم الأوَّل في هجمات أخرى كالهجمة الارهابية الأخيرة، له توجهات سلفية وطائفية جادّة ومناهضة للشيعة. المنتمون لمثل هذا التنظيم الذين يتبعون في أفكارهم الدينية النماذج الوهابية المتخلّفة يعدّون التشيّعَ شركاً وامتداداً للمجوس. إن قتل الأبرياء لاعتناقهم عقائد دينية ومذهبية مختلفة وأثناء ممارستهم العبادة وفي المسجد، من المتيقَّن أنه عمل يخالف التعاليم الإلهية والنبويّة المسلَّم بها في الإسلام. بالاستناد إلى تفسير الأصدقاء الشيعة الأفغانيين إنَّ السبب الرئيس الذي يسبب دافعاً مضاعفاً لداعش في شَنّ الهجمات الأخيرة هو “لواء فاطميون”، (الشيعة الأفغانيون المقيمون في إيران المنظَّمون بقيادة فيلق القدس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، الذي حارب تنظيم داعش في سوريا، وكان مؤثراً في هزيمة داعش. إذا كان هذا التفسير صحيحاً فإنَّ قتل المصلّين الأبرياء في مساجد قندهار وقندوز الذين ليست لهم أي علاقة تنظيمية مع “لواء فاطميون” أمر مردود من الناحيتَين الشرعية والأخلاقية. ولا شك أن هذا المنطق البالي الذي يدعو إلى قتل الأبرياء يمثّل جهالةً فتّاكة.

المتهمون من الدرجة الأولى في كارثة مقتل الشيعة الأبرياء والمضطهدين في أفغانستان هم إرهابيو داعش (أو الجماعات الإرهابية المشابهة)، وتجب محاكمتهم في محكمة صالحة لينالوا عقابهم. وتوجّه أصابع الاتهام في الدرجة الثانية إلى جماعة طالبان، بوصفها الجهة الرئيسة في تحقيق الأمن للشعب الأفغاني على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم. إن فشل جماعة طالبان أو تسامحها ومهادنتها مع إرهابيي داعش وغير داعش لا يمكن التغاضي عنه. وفي الدرجة الثالثة من الذين يجب لومهم وشجب موقفهم هم أهل السنة في أفغانستان، ولا سيّما المراكز الدينية وعلماء السنة في أفغانستان، فهم مطالَبون بشجب واستنكار هذه الجريمة النكراء عَلَناً وبصريح القول، وألا يسمحوا للارهابيين باستمرار الظلم واغتيال الشيعة من أبناء بلدهم. وفي الدرجة الرابعة يُتوقَّع من المجتمع السني في العالَم، كالأزهر، ولا سيما دار العلوم ديوبند (المركز الإسلامي الحَنفي المتنفذ في شبه القارة الهندية) أن يعملوا بوظائفهم الشرعية والأخلاقية وأن يدينوا ويشجبوا هذه الجرائم الارهابية النكراء.

وفي الدرجة الخامسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تقدّم نفسَها حامية الشيعة، بل المسلمين المضطهدين في العالَم؛ ولكنّها مِن بين جماعة طالبان المناوئة لأمريكا والشيعة المظلومين في أفغانستان وقفت إلى جانب طالبان، وليست لها هواجس واهتمامات لتقديم دعم عَمَلي وواقعي لشيعة أفغانستان. إنَّ حجم تغيير طالبان يتضحُ جلياً في تجاهل حقوق المرأة، واستبعاد القوميات والمذاهب المختلفة في إدارة دولة أفغانستان، ومن ثمَّ سفك دماء المواطنين الشيعة في أفغانستان. إنَّ سياسة الجمهورية الإسلامية عبر سلطتها الواحدة التي تعتمد مبدأ لا غربية لا غربية، (بدلاً عن سياسة لا شرقية لا غربية)، قد أغفلت مسألة دعم الشيعة في دول المنطقة. إنَّ أولوية الجمهورية الإسلامية على الصعيد الداخلي لا تعنى بدعم مصالح المواطنين الإيرانيين، وعلى الصعيد الخارجي أيضاً لا تعنى بالدفاع عن أمن شيعة المنطقة ومصالحهم. إن أولوية الجمهورية الإسلامية هي محاربة أمريكا وإسرائيل مهما كانت الأثمان، فلا مكانة لشيعة أفغانستان في هذه الأولوية السياسية. ولا يبدو أن الساسة قليلي التجربة والمعرفة في الجمهورية الإسلامية بقادرين على أخذ امتيازات ولو ضئيلة عبر العلاقات الدبلوماسية من أجل الحفاظ على أمن الشيعة في أفغانستان في مواجهة الأحداث المتوقعة في المستقبل.

وإذا كان ثمّة أمل بعد الله فإنّه مرهون بالمجتمع المَدَني في إيران الذي يمضي مستقلاً عن السلطة المنقطعة عن الشعب، ويتعاطف مع شيعة أفغانستان ويواسيهم.