صدور الترجمة العربية لكتاب «الإسلام الرحماني، المعرفة الدينية في العصر الحديث»

صدرت ترجمةٌ عربيةٌ لمجموعة من كتاباتي ضمن كتاب بعنوان (الإسلام الرحماني، المعرفة الدينية في العصر الحديث)، ومن ترجمة حسن الصراف، (منشورات لاوكون، بغداد، 2022)، إذ يقع في 136 صفحة ويتضمّن الترجمة العربية لأربع من مقالاتي وبالوصف الآتي:

المقال الأوّل: الإسلام الرحماني

  • الترجمة العربية للمقال المعنوَن: اسلام رحمانی، موقع المؤلف في الشبكة المعلوماتية، في 24 تموز/ یولیو 2010.

المقال الثاني: الأخلاق المحمدية، ثمان خطوات نحو مكارم الأخلاق

  • الترجمة العربية للمقال المعنوَن: اخلاق محمدی، موقع المؤلف في الشبكة المعلوماتية، في 14 شباط / فبرایر 2010.

المقال الثالث: المعرفة الدينية المعتدلة، مراجعة فكرية وعقائدية لقضايا حول الدين والإسلام والقرآن

المقال الرابع: المعرفة المذهبية المعتدلة، مراجعة فكرية لقضايا حول النبي والتشيع وأئمة أهل البيت

وقد كتبتُ –بطلب من الناشر العربي- مقدمةً لهذا الكتاب.

مقدّمة المؤلف للترجمة العربية

يواجه الإسلامُ في الفترة المعاصرة سوء تفاهمات وسوء سلوكيات مِن نواحٍ عدّة؛ فمِن ناحيةٍ نجد التيارات المتطرّفة، مِن أجل هيمنتها على ما تظنّه حقّاً، لا تتورَّع مِن انتهاك حقوق الآخرين في حرية الاختيار وحرية التعبير، ولاسيما حقّ الحياة، فباستعمالها القوّة والإكراه وحتّى الإرهاب باتت تعرض صورةً في منتهى البشاعة باسْمِ الإسلام. ومن ناحية أخرى ثمّة حكومات تولَّت الحكمَ والسلطة باسم الإسلام، ولكنَّ الهاجس الرئيس لدى قادتها لا يكون المصالح الوطنية، ولا تحقيق رضا المواطنين ولا العمل برأيهم. إنَّ مثل هذه الأنظمة تعدّ الشَّريعةَ بمثابة قانون لِلدولة، ومِن ثمَّ “باطنُ الديانة” يدفع الثَّمنَ بزوالهِ لمجرّد إقامة بعض مِن ظواهر الشريعة. ومِن ناحية ثالثة أصبح تعريف الإسلام في كثيرٍ مِن أجهزة الإعلام الغَربيّة بمثابة تضخيم لمكانة المسلمين الأصوليين والحكومات الإسلامية السلطوية، والإهمال المتعمّد للاتجاه الغالب لدى الأغلبية القاطعة مِن مسلمي العالم (سنّةً وشيعة)، ومن ثمَّ ترويج وتوسيع «رهاب الإسلام/ إسلامفوبيا». ومن ناحية رابعة بتنا نشهد تيّاراً تطويرياً بين بعض المسلمين المثقفين، إذ تأثّروا بالتيارات الثلاثة آنفة الذكر، وبدلاً عن أن يجدوا الإشكالَ في سوء التلقي والسلوكيات السيئة لبعض المسلمين المتطرفين الجهلاء، أو في الأنظمة السياسية السلطوية التي تحكم باسم الإسلام في بعض الدول السنية أو الشيعية، أو في الاعلام والترويج السلبي “للإسلام فوبيا” الذي يتبنّاه التيار المهيمن في الإعلام الغَربي، وجدوا الإشكالَ في أصل الإسلام، وفي الكلام الإلهي والسنّة النَّبوية، وصاروا يسعون إلى عملية تشريح في إصل الإسلام وتغيير هندسته وبُنيته. وعملهم هذا لم ينتهِ إلى شيء ولم يقدّم ناتجاً سوى تكرار مزاعم مناوئي الإسلام وبألفاظٍ أخرى.

الإسلامُ الرَّحماني تيّارٌ يعتقد أنَّ المسلمين –سواء أكانوا سنّة أو شيعة- يحتاجون إلى إعادة التفكير في معارفهم الدينية، والنتيجة المنطقية المترتبة على ذلك هو إصلاح بعض السلوكيات. إنَّ المعرفة والسلوك الديني النموذجي للمسلمين –بحسب هذا الاتجاه الإصلاحي- هو نبيّ المسلمين الذي عبَّر عنه كتاب الله بـالـ«رحمة للعالمين»، وأسوة المؤمنين الحسنة. لا يمثّل الإسلام الرَّحماني إضافة جديدة لم تكن موجودة في دين الله، بل يعمد إلى إبراز مبدأ محوري مغفول عنه. إنَّ ما يجب توكيده في حقبة الإسلامفوبيا، وفي عصر السلوكيات السيئة التي تصدر عن بعض المسلمين المتطرفين والجهلاء، أو عن بعض الحكومات السلطوية التي تستغل اسم الإسلام وتوظّفه توظيفاً ذرائعياً، وما يجب إبرازه في مثل هذه الحقبة أكثر من أيّ شيء آخر هو مبدأ الرَّحمة، أي الرَّحمة التي وصف الله الرَّحمن الرَّحيم نفسَه بها أكثر من أيّ اسم آخر من أسمائه الحسنى.

إنَّ العقلانيةَ والرجوع إلى معطيات العلوم البشرية في المجال الرَّحب الخاص بفهم القوانين الطبيعية والاجتماعية، لا يغفل عنهما الإسلامُ الرَّحمانيُّ مطلقاً بحجّة فهم الوحي والشَّرع، وقد تُسلَّط الأضواءُ في هذه القراءة على الفصل بين المؤسسة الدينية (الحوزات العلمية والمساجد وأوساط رجال الدين) ومؤسسة السلطة (الدولة).

وأن يكون محمَّد بن عبد الله (ص) أسوة حسنة يعني ضرورة فهم خلقه العظيم بنحوٍ أعمق، فالدين الذي يكون نبيّه «حبيب الله»، أَ يُمكن ألّا يبدأ بالحب؟ والدّين الذي كان إتمام مكارم الأخلاق هدفاً لِبعثة نبيّه، أَ يمكن لأتباعه أن يبلغوا مرتبة مِن دون مراعاة الموازين الأخلاقية؟ إنَّ القاعدة الأخلاقية الذهبية القائلة «اكره لِلنّاسِ ما تكرهه لنفسك» تأتي في مقدّمة مكارم الأخلاق المحمَّدية؛ فإذا كنّا نسعى إلى السَّعادة الأخروية يجب أن نبحث عن معاييرها الثلاث في سنّة نبيّنا. فوصايا النَّبيّ لِلصحابة، مثل وصيّته لمعاذ بن جبل تحتوي على دروس يحتاجها المسلمون على نحوٍ دائم. إنَّ جزءاً كبيراً من وصايا النَّبي الأخلاقية نجده في وصاياه إلى عليّ بن أبي طالب (ع)، إذ تنطوي على مصاديق راقية لمكارم الأخلاق.

ومن جملة موازين اعتدال المعرفة الدينية التي يمكن التعبير عنها بـ«مَعالم الدين» هي الموارد الآتية:

لا يمكن أن نتوقَّع مِن الدين أن يفسّر الكونَ تفسيراً علمياً، وأن يدير الشؤون السياسية والاقتصادية والقانونية، أو أن يجيب عن كلّ الأسئلة والاستفهامات البَشرية. إنَّ ما یمکن توقّعه من الدين يتمثّل بثمانية موارد: إضفاء المعنى على الحياة، ومعرفة الأمر المتعالي (المبدأ)، ومعرفة العالَم الآخَر (المعاد)، ومعرفة عوالم الغَيب، وضمان الأخلاق، والمناسك والعبادات، وشبه المناسك (التوقيفيات غير التعبّدية)، والخطوط العريضة والعامة في المعاملات (تقديم بعض القضايا الكلية والعامة في العلاقات الإنسانية).

الشَّرط الضروري لِلخلاص الأخروي هو الإيمان بالله، والإيمان بالآخرة، والعمل الصالح، سواء أكان الفردُ مسلِماً أو غير مسلم؛ بمعنى أنَّ الإسلام يمثّل الطريق الأقوم نحو الخلاص، وبالتالي ليست فيه موضوعية، [بل طريقية]. ومن ثمَّ مجرّد ذكر الإسلام في خانة الديانة ضمن البطاقة الوطنية الشخصية لا يؤدّي بالفرد إلى الجنّة، ولا ينقذه من الجحيم.

والقرآنُ كتاب هداية، وليس كتاب قانون وعِلم، وهو المصدر الرئيس والأول للتعاليم الإسلامية، ولكنّه ليس المصدر الوحيد. وليس لأيّ أمرٍ إسلاميّ أن يكون متعارضاً مع القرآن، ولكن ليس بالضرورة أن يكون لأيّ أمر إسلامي مستمسك قرآني. ومن دون فهم القرآن لا يكتمل أيّ فهم عن الإسلام، ولكنَّ الفهم الكامل للإسلام لا يتحصَّل من دون إدراك السنّة النَّبوية، وأهل البيت (بالنسبة للشيعة)، والصحابة (بالنسبة للسنّة)، أي إنّه شرطٌ لازم ولكنّه غير كافٍ. ولا يتيسَّر فهم القرآن من دون التراث التقليدي للعلوم الإسلامية ومعطيات العلوم الحديثة المرتبطة بمعارفه.

ومن جملة القضايا الأساسية في موازين الاعتدال المذهبي في عصرنا الأمور الآتية:

ضرورة إعادة التفكير في مكانة النَّبي في الإسلام والقرآن: «محمَّدٌ (ص) ناقلٌ لِلوَحي وليس مولّداً له». فمحمَّدٌ (ص) تابعٌ لِلوحي، وليس العكس. لقد حذَّرَ اللهُ تعالى بصريح القول من تمحور الدين الإسلامي حول شخصية محمَّد، إذ أن التمحور حول النَّبي مخالف لروح القرآن، فما بالنا بالتمحور حول الإمام! الإسلامُ دينٌ متمحورٌ حول الله، إذ لم يعطّل هذا الدور الأساسي لله على خلاف الديانة اليهودية المحرَّفة، فالأمور كلّها بعهدته تعالى، ولم يفوّضها إلى أيّ أحد. إن محورية الله في الإسلام أو التوحيد الذي يُعبَّر عنه بتبعية النَّبي للكلام الإلهي تُعد واحدة من معالِم الإسلام، وهذا يعني أن جعل القرآن والوحي تابعَين لمحمَّد ما هو إلا غفلة عن مبدأ التوحيد الأصيل.

ضرورة إعادة التفكير في دَور التشيع في الخلاص الأخروي: لِكلّ مسلم، بل لِكلّ موحّد وصالح أن ينجو وينال الفَلاح، وليس لمبدأ الخلاص الأخروي أيّ شرط آخر. وهذا يعني أن المسلمين من أهل السّنة لم يُحرَموا من الجنّة بسبب مذهبهم، ولا يدخلون النّار، وهكذا الأمر بالنسبة لشيعة أهل البيت، لم تضمن لهم الجنّة لمجرّد إيمانهم المذهبي والعقيدة الهوياتية. فولاية أهل البيت (ع) ليست سوى الطريق الأقوم نحو الإيمان بالله والآخرة والعمل الصالح. وكلّ مَن يعصي ولم يَتُب، يُعاقَب أيّاً كان مذهبه، سواء أكان شيعياً أو سنياً. وكلّ من يعمل عملاً صالحاً إيماناً منه فإن أجره محفوظ عند الله، سواء أكان سنياً أو شيعياً. وإذا كانت ولاية أهل البيت لا تمنع الفردَ عن ارتكاب المعاصي، فلا تنقذنا في الآخرة. إذ أن المعيار الرصين لِلبراءة من النّار هو الورع والتقوى وليس أيّ شيء آخر. والإمام الحسين (ع) لم يؤسس منظومةً مختلفة في مقابل الموازين الإلهية والنَّبوية والقرآنية.

ضرورة إعادة التفكير في مكانة أئمة أهل البيت: ثمّة اتجاهان متباينان تماماً في معرفة الإمام. يعكس الاتجاه الأوَّل تفكير الغُلاة المفوّضة، ومن كانوا يظنون أن اللهَ تعالى فوَّضَ النَّبيَّ (ص) وثمَّ الإئمةَ بتدبير شؤون الكَون، وإنَّهم يديرون الدنيا والآخرة بإذن الله، وإن شؤوناً دنيوية مثل مَسك السَّماء وهطول المطر وشروق الشَّمس، وشؤوناً أخروية مثل الحساب والكتاب والثَّواب والعِقاب كلّها بيد الأئمة. أمّا الاتجاه الآخر في معرفة الإمام يؤكّد أن كلّ إمام من أئمة الهدى منصوص عليه من النَّبي، أو من الإمام الذي يسبقه، وهم علماء بالعلوم اللازمة، إمّا بالاكتساب المباشر من لدن النَّبي، أو من الإمام الذي قبلهم، وهم مطهرون معنوياً، ويمثلون قدوة الاخلاص والتهذيب والنقاء والورع والتقوى. فهم كالنَّبي (ص)، ما كانوا كائنات خارقة، ولم يُخلَقوا من طينة مختلفة، وإنَّ شؤون الدنيا والآخرة لم تفوَّض إليهم، ولا إلى أيّ أحد غيرهم. إنَّ أئمة أهل البيت في هذه المدرسة وهذا الاتجاه هم علماء أبرار، فنحن نرى أن دَور الأئمة (ع) الرئيس هو تقديم المعارف الضرورية لِلدين ضمن دائرة الاعتقادات والأخلاق والأحكام الفقهية، وأن يكونوا أسوةً حسنةً لِلسلوك، ولا نعتقد أنَّهم -على غرار المسيحية المحرَّفة- قد وضعوا منظومةً مستقلّة لِلشفاعة ولتوسّل أتباعهم بالهويّة فقط.

هذه الأفكار والقضايا المقتدّم ذكرها تشكّل محتوى المقالات الأربعة في هذا الكتاب، والتي ألقيَت في مجالس دينية خلال الفترة الممتدة بين عامَي 2010 و2015 على مجموعة من المسلمين الناطقين بالفارسية المقيمين في الولايات المتحدة، وقد نُشِرَت لاحقاً في الموقع الالكتروني الخاص بالمؤلف. يعمد المؤلف بتدوين محاضراته قبل إلقائها، ويعتقد أن المجالس الدينية لا تقتصر على الذِكر والوعظ، بل هي مجالس للمعرفة، وبنحوٍ خاص لإصلاح المعرفة الدينية. إنَّ هذه المحاضرات المعرفية، إلى جانب نقدها بعض التيارات الأصولية والتقليدية والمغالية والتطويرية، قد عمدت إلى تسليط الأضواء على الجوانب الايجابية بنحو أكثر، وسعت إلى عرض اتجاه فكري جديد وإصلاحي تحت عنوان الإسلام الرَّحماني. يتحدّث المؤلّف في هذه المحاضرات من موضع مسلم شيعي جعفري أصولي ذو تفكير عصري، والمعرفة الدينية (الإسلامية) والمذهبية (الشيعية) التي يعرضها في هذا الكتاب معتدلةٌ، ويرى أنَّ كلّ موحّد صالح ينال الخلاص تناسباً مع ميزان إيمانه وعمله. وفي الوقت الذي يحتفظ بهويته الدينية والمذهبية يحترم إسلام أهل السنّة وسائر المذاهب الشيعية والتيار الإخباري، ومستعدّ للحوار النقدي مع كلّ هؤلاء. ويؤكّد أن الحوار والمنظور النقدي المنصف والمنضبط لا استثناء فيه، إذ يشمل السنّي والشيعي والمثقف التنويري على حدّ سواء. وفي مجال تحديث الفكر الديني لا يتعدّى مشواره العلمي حرمة كتاب الله وسنّة نبيّه، فالإسلام عنده مرهون بالمحافظة على هذين، وإذا كان أحدهم قد تجاوزهما ولم يعلن عن ذلك فإنّه يقوم بعمل غير أخلاقي.

المخاطب الرئيس لهذا الكتاب هم الشباب والمثقفون المسلمون من الذين لهم هاجس الدين وتؤرقهم قضايا معرفية دينية راهنة، ويرومون الحفاظ على هويتهم الدينية والمذهبية في العصر الحديث، ويسعون إلى عقد حوار وتفاهم بين العلوم الإسلامية التقليدية والعلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية. إذا قَبِلَ المخاطب رسالة هذا الكتاب بإمكانه مراجعة سائر الدراسات والكتب المفصَّلة التي تعنى بهذه الموضوعات. ومن الجدير بالذكر هو أنَّ القرّاء العرب سيقرأون هذا الكتاب قبل القرّاء الإيرانيين وأبناء اللغة الفارسية، لأنَّ الكاتب محظورٌ من نشر كتاباته في بلده إيران، ويُمنع صدور أعماله!

إنَّ المترجم الشّاب والبارع حسن الصرّاف تمكّن بنحوٍ جيّد مِن ترجمة نصوص الكتاب، وقدَّم لِلقرّاء ترجمةً سلسة وواضحة ودقيقة ومطابقة لِلنص الأصلي، وأسأل اللهَ تعالى أن يزيد مِن توفيقاته.

يمثّل هذا الكتاب الإصدار الأول ضمن هذه السلسلة، وستصدر العنوانات الأخرى قريباً بعون الله تعالى. وبهذه المناسبة أقدّم شكري الجزيل لِلناشر المحترم الذي يبذل إمكاناته وموارده مِن أجل التعريف بالمعارف الدينية والمذهبية الأصيلة وترويجها بين الشباب والمثقفين المتطلعين لِلمعرفة وطلّاب الحقيقة.

وختاماً أؤكّد ترحيبي بانتقادات أصحاب الرأي، وأدعو إلى مفاتحة المؤلف بآرائكم عبر البريد الالكتروني الآتي:

[email protected]

محسن کَدیوَر

جامعة ديوك

دورهام، ولاية كارولاينا الشمالية، الولايات المتحدة

13 شباط/ فبراير 2022