وثائق عن انتهاك شرف الثورة
أضواء على السنوات الأخيرة لحياة السيّد الشريعتمداري
محسن كديور، وثائق عن انتهاك شرف الثورة: أضواء على السنوات الأخيرة لحياة آية الله السيّد كاظم الشريعتمداري، مجموعة «مواجهة الجمهورية الإسلامية لعلماء الدين المنتقدين» الإصدار الأول، ترجمه من الفارسیة: علي حسین نجاد، لندن: دار نشر مهري، 2025، 276صفحة.
ISBN: 978-1-917232-34-0
آية الله السيّد كاظم الشريعتمداري (1905-1986)، أحد كبار مراجع التقليد للمذهب الشيعي، تمت إزاحته من المجال العامّ في البلاد بعد إصداره بيانًا انتقاديًا ضد سلطات «ولاية الفقيه» على أعتاب إجراء الاستفتاء العامّ على دستور الجمهورية الإسلامية في كانون الأول (ديسمبر) عام 1979، وعلى إثر اتهامه بالعلم بمحاولة انقلاب من قبل «صادق قطب زاده» (أحد وزراء الخارجية بعد الثورة) تمّ فرض الإقامة الجبرية عليه في منزله منذ 16 نيسان (أبريل) 1982 حتى نهاية حياته، وتعرض للإهانة وانتهاك الحرمة من قبل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ومنابر صلوات الجمعة ومجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) دون أن يُسمح له بممارسة حقّه في الدفاع عن نفسه.
ولأول مرة في تاريخ المذهب الشيعي، قامت منظمتان لرجال الدين من تلاميذ آية الله الخميني، وهما «جمعية مدرّسي حوزة العلوم الدينية في قم» و«جمعية رجال الدين المناضلين في طهران»، إلى جانب الأئمة المعيّنين لصلوات الجمعة، بإزاحة منافس المرشد الأعلى (السید الخميني) عن مرجعية التقليد الديني. وتعرّض آية الله الشريعتمداري لأعنف الاتهامات والشتائم منذ ذلك التاريخ، ولم تضع وفاته التي حدثت بسبب تأخّر نقله إلى المستشفى، حدًّا لهذا الفيضان من الشتائم والاتهامات. ولم يعترف أي من مرجعيات التقليد في ثمانينات القرن الماضي بقرار إزاحة آية الله الشريعتمداري من المرجعية الدينية، بل اعتبروا البقاء على تقليده كمرجع في الأمور الدينية جائزًا للناس رغم أن هذه الأصوات لم تُسمع ولم تُتح لها إمكانية النشر والبثّ على صعيد عامّة المجتمع نتيجة تلك الأجواء المشحونة بالضجيج والكبت.
وباعتباره أحد المدافعين عن ثورة 1979 وأحد خرّيجي حوزة العلوم الدينية في مدينة قم الإيرانية، فقد توصّل المؤلف، استنادا إلى الدراسة والتحقيق في جميع الوثائق المتوفّرة، إلى أن قادة نظام الجمهورية الإسلامية شوّهوا ظلمًا وبغير حق سمعة خصم مؤسس هذا النظام حيث أعلنوا أنهم جرّدوه من المرجعية الدينية حسب زعمهم وظلموه خلال مدة فرضهم الإقامة الجبرية عليه في منزله بمنع نقله إلى المستشفى لمدة ثلاث سنين وعشرة أشهر وسبعة أيام، وكذلك في وقت تكفينه ودفنه وحفل تأبينه.
من مقدمة الکتاب
***
مقدمة المؤلف لترجمة الكتاب
الكتاب الذي لا يزال ممنوعًا من النشر في إيران منذ أربعة عشر عامًا؛ صارت ترجمته إلى العربية تُنشر في أوروبا! هذه العبارة الواحدة بالذات تؤكد الكثير من الأمور. وما كتبته في مقدمة الطبعتين الفارسيتين الأولى والثانية يبقى صحيحاً كما في الماضي. إن ما بين يدي القراء الناطقين باللغة العربية هو دراسة حول إحدى الشخصيات الرائدة في أوساط رجال الدين الإيرانيين خلال الفترة من أوائل الستينيات إلى أواسط الثمانينات من القرن الماضي. كان السيد كاظم الشريعتمداري المنافس الفقهي الأهم للسيد روح الله الخميني كما كان السيد محمد حسين الطباطبائي هو المنافس الأهم للسيد الخميني في الحكمة (الفلسفة والتصوّف) بفارق أن السيد الشريعتمداري كان وبشكل عامّ ناشطاً سياسياً يعبر علناً عن آرائه المعارضة لنظام الحكم، لكن السيد طباطبائي لم يكن كذلك إلا أنه كان قد قال للنخبة مراراً: «إن الشهيد الأول لهذه الثورة هو الإسلام». إني كتبت عن القضايا التي جرت بينه وبين السيد الخميني، في مكتوب آخر.
أما هذا الكتاب فهو يركّز على مواجهة السيد الخميني السيد الشريعتمداري في السنوات الأخيرة فقط من حياة السيد الشريعتمداري وليس ما جرت منها قبل تلك الفترة. وهي السنوات التي كان فيها السيد الخميني قائد الجمهورية الإسلامية والزميل الدراسي السابق لأحد كبار مراجع التقليد الديني في ذلك الوقت، وأعظم منافسيه الفقهيين والذي تمّ إبعاده تدريجيًا عن المجال العام للبلاد ثم تم حبسه بفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله لبقية حياته. وقد تم تأليف هذا الكتاب على أساس تحليل الوثائق التاريخية بشكل محايد قدر الإمكان. وقد نشرت الجمهورية الإسلامية، وخاصة مؤسساتها الأمنية، الكثير من هذه الوثائق، ومنها ما تتضمنه مذكّرات وتصريحات لرجال الدين القائمين في السلطة؛ فعلى ذلك، من الصعب جدًا إنكار هذه الوثائق. هذا ويُظهر التحليل النقدي لهذه الوثائق أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد فرض القمع والاضطهاد على أهمّ مرجع ديني فيها وتجاهلت حقوقه الإنسانية، وأبرز ذلك منع نقل المريض المصاب بالسرطان إلى المستشفى لمدة ثلاث سنوات وعشرة أشهر وسبعة أيام، وكذلك فرض قيود كثيرة على جنازته وتكفينه ودفنه وإقامة حفلات تأبين له.
إن ما فعلته الجمهورية الإسلامية بالسيد الشريعتمداري ليس إسلامياً ولا أخلاقياً ولا قانونياً. فقد تم انتهاك شرف الثورة بهذا الاضطهاد وهذه الأعمال التعسّفية. إن النقاش لا يدور حول المواقف السياسية للسيد الشريعتمداري أو السيد الخميني؛ بل يدور حول نهج الجمهورية الإسلامية في التعامل مع العلماء الناقدين. لم تسنح لي الفرصة بعد لنشر آراء السيد الشريعتمداري الفقهية والسياسية والاجتماعية والثقافية. كما إن العديد من جوانب آراء السيد الخميني والجمهورية الإسلامية تستحق المناقشة والتحليل النقدي.
يندرج هذا الكتاب ضمن نوع تاريخ الفكر، وهو من أوائل أعمالي في إطار هذا المنظور. قبل ذلك، كنت أركّز على التحليل النقدي لنظرية ولاية الفقيه لمدة عقد أو عقدين من الزمن، قمت خلالها بتأليف عدة كتب وكتابة مقالات عديدة. ومنذ أوائل العقد الأوّل من القرن الحالي (21)، قمتُ بتحليل فقهاء الدين بطريقة النقد، ليس في طيّات الكتب فحسب، وإنما على صعيد المجتمع أيضًا، باعتبارهم بشرًا يجب محاسبتهم على مواقفهم من الحبّ أو الكره تجاه الآخرين. فمن خلال معرفة أصول الفكر وتحليل النظرية في سياق الممارسة الاجتماعية، يتبين لنا أن الدين والسياسة يحملان في بعض الأحيان سمات إنسانية معيّنة، وحينًا آخر يرتكب أساتيد الأخلاق أسوأ الأعمال غير الأخلاقية.
لقد تم إصدار الترجمة العربية لكتاب «وثائق عن انتهاك شرف الثورة» واختيار المترجم والناشر بجهود المهندس السيّد حسن الشريعتمداري نجل المرجع الديني المظلوم. وأنا قمت بمراجعة بعض المقاطع من ترجمة السيّد علي حسين نجاد فرأيت أن المترجم نجح في ترجمة ما قصده المؤلف، إلى اللغة العربية. أسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد للجميع.
محسن كديور
الأول من كانون الثاني (يناير) 2025
جامعة دوك – دوروم – كارولينا الشمالية – الولايات المتحدة الأمريكية