الحكومة الولائية
صدرت ببيروت الترجمة العربية لكتاب الحكومة الولائية في حزيران 2015، وبالوصف الآتي.
[اصل الکتاب بالفارسية] حکومت ولایی، نشر نی، تهران،۱۳۷۷؛ ویرایش دوم: ۱۳۸۰؛ چاپ پنجم، ۱۳۸۷؛ ۴۴۳ صفحه؛ اندیشهی سیاسی در اسلام (۲)الحکومة الولائیة، ترجمة السید مهدی محمّد حسن الأمین، مؤسسة الانتشار العربي، بیروت، 2015م، 544 صفحه.
كتاب «الحكومة الولائيّة» هو العنوان الخامس الصادر ضمن «سلسلة الاجتهاد والتجديد»، الذي جرى إعداده وتحريره لدى مجلة «الاجتهاد والتجديد»، وصدر مع مقدمة قصيرة لرئيس تحرير المجلة عن مؤسسة الانتشار العربي. أنجِزَت ترجمة الكتاب في قم منذ عام 2007، ولكن بسبب المرض الشديد الذي أصاب المترجم ولعودته إلى لبنان تأخّر صدور الترجمة لمدّة ثمان سنوات. أسأل الله تعالى أن يمنّ بالشفاء على هذا المترجم الفاضل.
وقد جرى مطابقة الترجمة العربية مع آخر تحريرٍ لنصّ الكتاب، أي الطبعة السادسة المزمَع نشرها في إيران في سنة 2014، والتي حُظِر إخراجها من المطبعة ومُنعَت من النشر! تولّى عملية المطابقة هيأة تحرير مجلة الاجتهاد والتجديد، وصدرت الترجمة مع مقدّمة المؤلف للطبعة العربية.
***
مقدمة المؤلف على الترجمة العربية لكتاب الحكومة الولائية
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ المراد من الحكومة الولائية هي الحكومة القائمة على نظرية (ولاية الفقيه). إنّ الولاية الشرعية تعبيرٌ عن نوع من العلاقة القائمة بين الحاكم والشعب، وتكون فيها الأولوية المطلقة لما يراه الحاكم من المصالح العامة، وتقديمه على الرأي العام والإرادة الوطنية. يعتبر الحاكم في الحكومة الولائية هو الوليّ الشرعي على الناس، ويكون الناس (مُوَلّىً عليهم). وإنّ من اللوازم الثابتة للحكومة الولائية هو الحجر على الناس في الدائرة العامة. وحيث يعتبر وليّ الأمر؛ طبقاً لنظرية ولاية الفقيه، منصوباً من قبل الله لتكون له الولاية على الناس تكون الحكومة الولائية حكومة تنصيبية. وبذلك فإنّها تتعارض مع الحكومات المنتَخَبة، والتي يتمّ فيها توكيل الدولة من قبل أبناء الشعب والأمّة. إنّ حدود اختيارات وليّ الأمر مطلقة، ولا يمكن لأيّ قانونٍ بشريّ أن يعمل على تحديدها أو تقييدها. وفي الحكومة الولائية يتمّ إضفاء الشرعية على الدستور بالمصادقة عليه وتوقيعه من قِبَل وليّ الأمر، وليس العكس. كما أنّه يتمّ تحديد الحكومة الولائية ضمن رقعة جغرافية خاصّة من باب الاضطرار، وإلاّ فإنّ عنوان (وليّ أمر المسلمين في العالم) يحكي عن الشمولية الشرعية لأوامر هذا النوع من الحكومة لجميع المسلمين في العالم.
إن الحكومة الولائية هي نوعٌ من أنواع الحكم الثيوقراطي(theocracy) الإسلامي أو الأوتوقراطي (autocracy) الديني، وهو يختلف في مضمونه ومفهومه عن الحكم الديموقراطي (democracy). وإن الحكومة الولائية هي النسخة الشيعية لحكومة آباء الكنيسة في القرون الوسطى، أو الخلافة عند المسلمين من أهل السنة.
إنّ هذه الحكومة هي مزيجٌ من النظريات الأربع التالية: نظرية حكومة الحكماء لإفلاطون؛ ونظرية ملك الملوك في المنظور الإيراني العريق للدولة؛ ونظرية الإمامة في الكلام الشيعي؛ ونظرية الإنسان الكامل في عرفان محيي الدين ابن عربي. إن «الفقيه» هو نموذج الحكيم الإفلاطوني، والملك الحاكم المطلق في الإمبراطورية الإيرانية العتيدة، والإمام المعصوم المنصوب من قِبَل الله وفقاً للمفهوم الشيعي، والعارف الواصل عند الصوفية، وباختصار (إنّه ينفرد بامتلاك جميع ما يمتلكه الصالحون من الفضائل). إنّ الحكومة الولائية تحظى بجميع خصائص الحكومة الأصولية (Fundamentalists)، وترى الوصول إلى السلطة من أيّ طريقٍ كان لإقامة الشريعة فريضةً، وترى أنّ الحفاظ عليها مهما كلَّف الأمر، حتّى من طريق اللجوء إلى العنف، وانتهاك القواعد الأخلاقية والموازين الدينية، من «أوجب الواجبات». إنّ الأحكام الصادرة عن وليّ الأمر تعدّ بمنزلة الحكم الشرعيّ، وعند التعارض يتمّ تقديمها على الأحكام الشرعية الأوّلية والثانوية. وعليه من الطبيعي أن تكون لمصلحة النظام الحكومة والورود على جميع الأحكام الشرعية. إنّ رئيس الحكومة الولائية هو إله الأرض. إنّه حاكمٌ يتمتَّع بكلّ صلاحيّات رسول الله (ص) في المرحلة الراهنة.
إن الحكومة الولائية لم تكن هي الهدف من ثورة شباط 1979 الإيرانية، كما أنّ معنى الجمهورية الإسلامية على ما ورد في تعريفها في ديباجة دستور الجمهورية الإسلامية، واستفتاء عام 1979 أيضاً، لم يكن يتضمَّن الحكومة الولائية. لقد شهدَتْ إيران في العقود الأربعة الأخيرة تحدّياً من قبل رؤيتين على نطاقٍ سياسيّ واسع، وهما: الحكومة الولائية من جهةٍ، والحكومة الديموقراطية العلمانية من جهةٍ أخرى. وقد تمخَّض ذلك على المستوى العملي عن حكومةٍ، لا هي حكومة ولائية بالكامل، ولا هي جمهورية ديموقراطية علمانية بالكامل. ويمكن لنا تسمية هذه الحكومة بـ «الجمهورية الولائية»؛ فهي جمهوريّة بنسبة 20%؛ وحكومة ولائية بنسبة 80%.. ففي الجمهورية الولائية يكون المعيار قائماً على رأي الشعب، ولكنْ وفقاً لما يراه الوليّ الفقيه من المصلحة. إنّ نماذج الجمهورية تذوب بشكلٍ تدريجي في أسيد الحكومة الولائية، لتتَّجه الجمهورية الولائية بالتدريج نحو الحكومة الولائية أكثر فأكثر. إنّ مراد رجال الدولة في إيران من «الحكومة الإسلامية» هو الحكومة الولائية، وما رفع شعار الجمهورية الإسلامية إلاّ من باب التقيّة، أو للتورية، أو أنّها في الحدّ الأقصى «حالة مرحليّة».
إنّ كتاب «الحكومة الولائية»، الذي مضى على تأليفه سبعة عشر عاماً، يتضمَّن نقد نظرية ولاية الفقيه في إطار الفقه التقليدي. وقد تمّ تأليفه على أساس المباني الكلامية والأصولية السائدة في الحوزات العلمية. كما أنّه يمثل تحليلاً نقدياً للنظرية الرسمية على أساس الضوابط الدينية المتَّبعة. وقد سعَيْتُ من خلال سلسلة «الفكر السياسي في الإسلام» أن لا أتجاوز النقد البنائي (النقد في إطار الفكر التقليدي) إلى النقد المبنائي (نقد الأُطُر والمباني). ويجب ملاحظة ما تمّ بحثه إجمالاً من المباني الكلامية أو الأصولية في هذا الشأن، وعدم اعتباره رأياً للمؤلِّف بالضرورة. وقد ذكرْتُ جانباً من آرائي الكلامية في مقالاتي المتأخِّرة (من قبيل: «القراءة المنسيّة للإمامة»، أو «تبويب العقائد الدينية» نشر ترجمتهما باللغة العربية مع ترجمة مقالتين أخريين في كتاب من دون علم وإذن مني).
إنّني من المعتقدين بتناغم الإسلام مع الديموقراطية، وأرى في مفهوم الجمهوريّة الإسلامية (على ما جاء في ديباجة الدستور الذي لم يتضمَّن أدنى إشارةٍ إلى ولاية الفقيه) حلاًّ عمليّاً لإيران ما بعد انتصار الثورة، رغم أنّي في النهاية أدافع عن الحكومة الديموقراطية العلمانية.
لقد تمَّ نشر الترجمتين العربيَّتين للمجلَّد الأول من الفكر السياسي في الإسلام، أي كتاب «نظريات الدولة في الفقه الشيعيّ»، في بيروت دون علمٍ أو إذن منّي. وقد عمد أحد فضلاء الحوزة العلمية في قم، وهو السيد مهدي الأمين، مؤخَّراً (بالتشاور مع الفاضل المحترم السيد مصطفى مطبعجي الإصفهاني) بترجمة المجلَّد الثاني من هذه السلسلة، وقد تمكَّنا من الوفاء بحقِّ ترجمة هذا الكتاب الفقهيّ على المستوى الفنّي بشكلٍ جيِّد. ففي الحلقة التي كانت لي مع المترجمَيْن لرفع غموض النصّ أدركْتُ أنّهما قد استوعبا عمق ما كنتُ أرمي إليه، وأنّهما قد التزما بالأمانة العلميّة، مع حفاظهما على ضرورات الترجمة العربية، فأخرجا نصَّ الكتاب في نسخةٍ عربية واضحة ومنقَّحة وأمينة. أسأل الله أن يشكر لهما سعيهما. وأسأل جميع القرّاء العَرَب أن يتفضَّلوا عليَّ بانتقاداتهم وتوجيهاتهم.
﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88).
محسن كديور
جمادى الثاني، 1435هـ
نيسان 2014
***
ومن الجدير ذكره أن هذا الكتاب هو الكتاب الرابع من أعمال المؤلف الذي يُترجَم للعربية ويراعي حقوقه.
أوّل كتاب تُرجِم للعربية هو كتاب نظريات الحكم في الفقه الشيعي بإذن المؤلف، وبمقدّمة خاصّة للطبعة العربية بقلمه. ويعود تاريخ صدوره إلى أيّام حبسي في سجن إيفين، وكان سماع خبر انتشاره حُلواً ومفرحاً في تلك الأيّام:
نظریات الحکم في الفقه الشیعي (بحوث في ولایة الفقیه)، مع مقدمة رشا الامیر ولقمان سلیم، بیروت، دار الجدید، 2000م، 206 صفحة.
أمّا الترجمة الثانية لهذا الكتاب فقد عثرت عليها صدفةً وقبل سنوات عدّة في مكتبة جامعة ديوك. إنّها ترجمة أخرى للكتاب نفسه، وتتضمّن نقداً للكتاب في مقدمة المترجم، وقد صدرت عن ناشر مقرّب من الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
نظریات الدولة في الفقه الشیعي (مع مقدمة نقدیة)، ترجمة محمّد شقیر، دار الهادي، بیروت، 2004، 215 صفحة.
أمّا العنوان المترجَم الثالث يتضمّن الترجمة العربية لبعض المقالات الكلامية بقلم المؤلف، والتي لم تُنشَر بالفارسية حتّى الآن في كتابٍ مستقل. إن المترجم المحترم أو الناشر لم يكلّفا نفسَيهما عناء إرسال نسخةٍ منه إلى المؤلف؛ فمابالك باطلاعه واستئذانه!
القراءة المنسية إعادة قراءة نظرية: الأئمة الاثنا عشر علماء أبرار وأربع مقالات أخرى، تعريب وتقديم وحواشي، سعد رستم، مؤسسة الانتشار العربي، بیروت، 2011، 215 صفحة.
وفي ختام الحديث أشير إلى أن الترجمة الانجليزية لكتاب الحكومة الولائية واجهت مشاكل مماثلة للترجمة العربية، وقد جرى معالجتها. أرجو أن نشهد صدور الترجمة في مستقبلٍ ليس ببعيد. إن شاء الله.
ایلول ۲۰۱۹