كورونا، والدّين الذي بدا أفيوناً للشعوب
إنّ طريقة تعامل بعض المتدينين الرجعيين مع فايروس كورونا المُستجد مثيرٌ لِلأسَف، سواءً أكانوا من الهندوس، أو المسيحيين، أو من المسلمين الشيعة. أحدهم يجد الشفاء في شرب بول الأبقار، وآخرٌ يُقبّل تمثال المسيح في الكنيسة ويعدّ ذلك طريقاً للشفاء، وثالثٌ يُسمّي قبور الأئمّة وأبناء الأئمّة بـ«دور الشّفاء». لكلّ هؤلاء تفكير واحد. على الرغم من أن لقاح كورونا لم يُنتَج بعد، وثمّة أمور علميّة غامضة كثيرة تدور حول هذا الفايروس، نسمع من القس المسيحي الفلاني ومن رجل الدين الشيعي الفلاني بأنّهم قد أكتشفوا علاجاً لكورونا، وإنّ فئة من الجُهّال يصدّقون بمزاعمهم ويتّبعونهم.
انتشر فايروس كورونا، في أكثر الاحتمالات، في شهر شباط، عن طريق الرحلات الجَويّة المُستمرّة لشركة ماهان الإيرانية إلى الصين، وكان انتشاره الأوّل في مدينة قم. بدأ الاعلان الرسمي عن وجود كورونا في إيران (قم) في نهايات شهر شباط، بعد أن توفّي شخصان إثر اصابتهما بهذا الفايروس. على الرغم من المطالبات المكررة لمسؤولي وزارة الصحّة لإغلاق الأماكن الدينية في قم، فإنّ هذا المطلب لم يُنَّفّذ إلّا في الأسبوع الثالث من شهر آذار. فبعد أن تجاوزت أعداد ضحايا هذا الفايروس 900 شخصاً صدرت الأوامر بغلق أبواب مرقد الإمام الرضا في مشهد ومرقد السيّدة فاطمة المعصومة في قم (وعبد العظيم الحسني في الرَّي، وكذلك مسجد جمكران المشكوك في اعتباره الديني والمذهبي). ومع انتشار خبر إغلاق هذه الأماكن الدينية بادرت فئةٌ من التيارات المذهبية (فيهم مجموعة من رجال الأمن والعكسريين والبسيج [بالزيّ المَدَني]) إلى إعلان الاحتجاج على قرار غلق هذه الأماكن، حتّى أنّهم كسروا الأبواب المُغلقة ودخلوا عنوةً إلى المراقد في مشهد وقم، مخالفين الضوابط والقوانين الصحيّة النافذة.
أكّد مراجع التقليد والعلماء كلّهم ضرورة اِتّباع الوصايا والإرشادات الطبيّة، وإن كان أغلب هؤلاء العلماء لم يتجاوزوا حدود «الوصايا الأخلاقية» في هذه المسألة. وهنا لنا أن نوجّه نقداً لهؤلاء ونقول بأن مراجع التقليد كان يفتَرَض بهم «تحريم» أيّ نوع من الاجتماعات الدينية، ولا سيّما في الأماكن الدينية مثل مراقد الأئمة وأبناء الأئمّة لحين انتهاء الخطر بنحوٍ تام، وعملاً بتوصيات المسؤولين المعنيين في القطّاع الصحّي.
وكان يجب على النظام العمل بوظائفه، وأن يُفعّل الضوابط والاجراءات اللازمة من قبيل فرض الحجر الصحّي على المُدُن، وحَظر التجمّعات والسفر بين المحافظات، ليحدّ بذلك من تفشّي الفايروس. لقد نقضت الجمهورية الإسلامية الأعمّ الأغلب من الحريّات القانونية لدى النّاس، ولكنّها عند الوقاية من هذا المرض الفتّاك أصبحت من دعاة الحريّة، وتخالف وضع القيود على حريّات النّاس! إن سياسات النظام الراهن (علي الخامنئي) والحكومة (حسن روحاني) حول فايروس كورونا، سواء في التعتيم الإعلامي إبّان انتشاره، أو في تأخّر إعلان خطره، أو في عدم اتخاذ السياسات العلميّة لمواجهة هذا المرض، كلّها كانت سياسات هشّة وضعيفة ومعرّضة للمُساءلة القانونية.
إن الجُهّال الذين يلعقون ضريح الإمام وضريح ابن الإمام بِنيّة التقرّب، أو لا يحتملون غلق أبواب الحرم، واولئك الذين يكسرون الباب التي أغلِقَت بموجب القانون، وبموجب القاعدة النبويّة القائلة «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، يعانون مِن ثلاثة أنواع من الجَهالة: الجهالة العِلمية، والجهالة الدينية، والجهالة المذهبية.
الجَهالة العلميّة تعني عدم الاكتراث بمسلّمات علم الطّب. فلأنّه لا يرى الفايروس والميكروب يظنّ واهماً بعدم وجود أيّ خطر. ولكنَّ هؤلاء الأفراد أنفسهم حين كانوا يرون بأعينهم البلايا والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات، أو البلايا الإنسانية مثل القصف الصاروخي، ما كانوا ليلجأوا أبداً إلى المراقد الدينية، وكانوا يعرفون جيّداً بأنّه عند حدوث هذه البلايا والكوارث لا يوجَد أيّ فرقٍ بين الحرم وغير الحرم. يجب تفهيم هؤلاء الجهّال بأن الفايروس الذي لا يُرى بالعين المجرّدة يستطيع أن يصيب أيّ تجمّع إنساني، سواء أكان دينياً أو غير ديني، وإنّه وسيلة من وسائل ملك الموت.
وأمّا الجَهالة الدينية فإنّها تعني الغفلة عن أنَّ الله يسري أوامره في الكون من خلال الأسباب والمُسببات. وإن العلاقة الطبيعية بين العلّة والمعلول هي من السُنَن الإلهيّة. وللأمراض علّة طبيعية، والمتدينون إذا أرادوا مواجهة الأمراض ليس أمامهم سوى مراعاة الضوابط الطبيّة والصحيّة. إنَّ الدعاء والتوكّل لا يأخذ أبداً مكان الوقاية والعلاج العِلمي. ولكن بعد العمل بالضوابط الصحيّة والقواعد الطبيّة يأتي التوكّل والدعاء ليمنح قوّة لقلب المؤمن وسكينة لروحه.
وأمّا الجهالة المذهبية فإنّها تعني الاعتقاد بِكون حرم الأئمّة وأبناء الأئمة هي مواضع للشفاء من الأمراض، والاحتجاج على غلق أبوابها وجهٌ من أوجه هذه الجهالة. تؤكّد الكتب الفقهية بأنَّ السَّفَر إلى مكّة والمدينة لأداء فريضة الحج الواجبة، إذا كان فيه خطر على النفس –سواء أكان الخطر في الطريق، أو بسبب أمراض مسرية- فإنّه سيكون سَفَراً مُحرّماً، ويسقط الوجوب عن فريضة الحج في مثل هذه الظروف. إن زيارة قبور الأئمة في كلّ الأحوال مِن المستحبّات وليست من الواجبات. وعند شيوع المرض يسقط الاستحباب عن الحضور داخل هذه المراقد، وليس هذا فحسب، بل إذا كان في ذلك خطر على الأرواح، سيكون فِعلاً مُحرّماً. وبالنسبة لقبور أبناء الأئمة فإنّها مشمولة باستحباب زيارة قبور المؤمنين والصالحين، وإن غلق هذه الأماكن الدينية إنما هو عمل شرعي وقانوني وعِلمي يرضاه الله سبحانه.
إن الجهلة الذين يرفعون شعار (حيدر حيدر) عند دخولهم المراقد عُنوةً، قد تسببوا بِوهنِ المذهب، وإنهم شَين لأهل البيت، ويمثّلون نتاج الخطاب الديني والمذهبي الذي تتبنّاه الجمهورية الإسلامية من أجل قمع النقّاد والمخالفين السلميّين والقانونيين. إنّ هؤلاء لا يمثّلون المراجع، بل يتبعون الخطاب الديني المتطرّف الذي يروّجه قرّاء التَّعزية والمنشدين الدينيين. في أيّام المرحوم البروجردي حين اعترض على بعض الأمور في أيّام مراسيم العزاء في شهر محرّم، ردَّ عليه أصحاب مواكب العزاء بأننا نقلّدك طوال 364 يوماً؛ وثمّة يوم واحد –أي: يوم عاشوراء- اسمح لنا فيه أن نكون في حلٍ منك، واعمَل بما نقول!
إن المنابر الدينية التي تعمد إلى «غسل أدمغة» المخاطبين، تروّج أموراً خلافاً للواقع للبسطاء من المتدينين، ولكنّهم في الوقت الحاضر، ومع تفشّي فايروس كورونا، قد فقدوا اعتبارهم. لقد عبّر الفيلسوف الألماني الكبير كارل ماركس عن الدين بأفيون الشعوب. إنّ كلامه ينطبق على دين الخرافات، والدين الذي حين يوضَع في دائرة العلوم التجريبية والاجتماعية والانسانية يتوسّل بمفردات ميتافيزيقية غير مؤكّدة. إن مثل هذا الدين يمثّل حقاً افيوناً للشعوب. لكم أن تستمعوا لتصريحات أحد أعضاء مجلس الخبراء حول أثر تربة الإمام الحسين في معالجة ضيق تنفسه، وبعد يومَين على هذه التصريحات توفّي لإصابته بالكورونا. إن مثل هؤلاء «الخبراء!» يتولّون أعلى المناصب في البلد، ومِن مهامهم اختيار شخصية القائد، ولهم مثل هذه الرؤية المتقدّمة والمنفتحة! إن الإسلام الأصولي الذي يحكم البلد بمثل هذه الرؤية الضيّقة للإسلام يقوم بـ«استحمار» النّاس.
17 آذار 2020